ماذا بعد؟

صلاح تقي الدين

أما وقد طوت الجلسة الثانية عشرة من مسلسل انتخاب رئيس للجمهورية أوراقها، تتحول الأنظار اليوم إلى الجلسة المقبلة والموعد الذي سيحدده رئيس المجلس النيابي نبيه بري لانعقادها، لكنها للمصادفة ستحمل الرقم 13 الذي يعتبر مشؤوماً بالنسبة الى الكثيرين، فهل ستكون هي الجلسة الحاسمة على الرغم من التشاؤم الذي يحوم حول رقمها؟

في تحليل دقيق لنتيجة الأصوات التي حصل عليها المرشحان “الجديان” رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية والوزير السابق جهاد أزعور، يمكن القول إن أزعور حقق المنتظر منه بالتفوق على أًصوات فرنجية، غير أن الأخير سجل مكسباً لم يكن في حسبان جميع من كانوا يروّجون للبوانتاجات التقليدية لحساب الأصوات ما قبل الجلسة.

إضافة إلى ذلك، فقد أٍسقط فرنجية مقولة الاجماع المسيحي إذ إن حساب الأصوات الـ 51 التي حازها يفيد بأنه حصل على الأقل على 14 صوتاً “مسيحياً”، وهذه الأصوات إلى جانب المجموع الذي حققه تجعله في وضع مريح يسمح له بالاستمرار في معركته إلى “الآخر”.

أما جهاد أزعور، فقد كان واضحاً أن هذه الجلسة ستكون الأولى والأخيرة بالنسبة اليه، خصوصاً أن رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط كان قد أعلن في حديث صحافي ما مفاده أنه بعد جلسة الأمس، لن يستمر أزعور في المعركة، أي أنه سيكون قد “سقط” في صندوق الاقتراع ليعود من بعدها إلى مكانه الأساسي في “صندوق” النقد الدولي.

بدا واضحاً أن الأصوات الـ 59 التي حازها أزعور، لم تكن لتوافق الحسابات التي اعتمدها فريق المعارضة و”التيار الوطني الحر” اللذان توافقا على قطع الطريق أمام فرنجية من خلال التصويت لصالح أزعور وإعطائه فارقاً مريحاً من الأًصوات. فالمعلومات التي تسربت مباشرة بعد الاقتراع أفادت بأن خمسة نواب على الأقل من التيار لم يلتزموا بقرار رئيسه جبران باسيل وصوّتوا لصالح فرنجية، كما إن كتلة نواب الأرمن صوّتت لصالحه ما جعل الفارق لا يتعدى الـ 8 أصوات ومجموعها لم يصل إلى 60 صوتاً.

ومن الطبيعي أن يسارع نواب فريق المعارضة الى التهليل لما حصل في الجلسة والزعم بأن 77 نائباً صوّتوا ضد مرشح فريق الممانعة كما قال النائب “التغييري” مارك ضو، لكن النتيجة النهائية كانت عدم قدرة هذا الفريق ولا فريق الممانعة على إيصال مرشحيهما إلى الرئاسة، وعليه، فإن السؤال المحوري هو ماذا بعد جلسة الأمس؟

لقد كان فرنجية متصالحاً مع نفسه حين غرّد على صفحته على موقع “تويتر” فور انتهاء الجلسة قائلاً: “كل الشكر للنواب الذين انتخبوني وللرئيس نبيه بري وثقتهم أمانة، كما نحترم رأي النواب الذين لم ينتخبوني وهذا دافع لحوار بنّاء مع الجميع”، وفي هذه الدعوة إشارة إلى أنه قد يلتزم بنتيجة الحوار حتى لو كانت على حسابه.

أما الرئيس بري فقد كان مباشراً أكثر عندما قال بعد انتهاء الجلسة: “كفى رمياً بكرة المسؤولية على هذا الطرف أو ذاك في إطالة أمد الفراغ، ولنعترف جميعاً بأن الامعان في هذا السلوك والدوران في هذه الحلقة المفرغة وإنتهاج سياسة الإنكار لن يوصل الى النتيجة المرجوة التي يتطلع اليها اللبنانيون والأشقاء العرب والأصدقاء في كل أنحاء العالم، الذين ينتظرون منا أداءً وسلوكاً يليق بلبنان وبمستوى التحديات والمخاطر التي تهدده، وأن بداية البدايات لذلك هو الاسراع في إنتخاب رئيس للجمهورية وذلك لن يتحقق الا بالتوافق وبسلوك طريق الحوار، ثم الحوار، ثم الحوار. نعم حوارٌ من دون شروط لا يلغي حق أحدٍ بالترشح”.

أضاف بري: “حوار تتقاطع فيه إرادات الجميع حول رؤية مشتركة لكيفية إنجاز هذا الاستحقاق من دون إقصاء أو عزل أو تحد أو تخوين. حوار تحت سقف الدستور يحافظ على الميثاقية والشراكة”، خاتماً: “آن الأوان لكي يمتلك الجميع الجرأة والشجاعة من أجل لبنان بسلوك هذا الطريق، فهل نحن فاعلون؟”.

لقد حدّد بري الشرط الرئيس للحوار وهو أن يكون من دون شروط مسبقة، فهل سيتلقف الفرقاء السياسيون كافة دعوة بري اليوم، وهو الذي دعا إلى الحوار قبل انتهاء ولاية الرئيس السابق ميشال عون لكن “التيار الوطني الحر” من جهة و”القوات اللبنانية” من جهة أخرى، كانا أبرز الرافضين له؟

ومن جهة فريق المعارضة، هل سينتقل من ترشيح أزعور الذي اعتبره “حزب الله” مرشح تحدٍ وبالتالي سيفعل كل ما بقدرته لقطع الطريق أمام انتخابه، إلى البحث عن اسم ثالث يذهب به إلى طاولة حوار بري، أم أنه سيظل متمسكاً بتهديده بتعطيل نصاب جلسة قد توصل مرشح الممانعة إلى الرئاسة؟

إن الماضي القريب يشي بأن الجميع كان أمام أزمة لا يفيد معها العناد والتمسك بالسقوف العالية في الخطابات والممارسة، ولم يكن الكلام الذي نقله الوزير السابق وئام وهاب عن الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصرالله عابراً من حيث عدم ممانعته التوافق على اسم قائد الجيش العماد جوزيف عون للرئاسة.

يبقى أن “حزب الله” الذي يعتبر أنه تلقى من باسيل أذى أكبر بكثير مما سببه له فريق المعارضة مجتمعاً، قد يذهب باتجاه تلقين رئيس “التيار الوطني الحر” درساً ثقيلاً من خلال القبول بترشيح العماد عون الذي أكثر المعارضين لترشيحه هو باسيل نفسه، فهل يفعلها، خصوصاً أن عون يحظى بقبول عربي ودولي ولا يمانع معظم الفرقاء الداخليين انتخابه، وقد يكون حصوله على أكثر من 90 صوتاً كافياً لاسقاط حجة التعديل الدستوري من خلال عدم وجود ثلث قادر على الطعن بقانونية انتخابه ودستوريته؟

شارك المقال