“التغييريون” لن يكونوا ملكيين أكثر من الملك

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

أثار انقسام النواب التغييريين الـ12 حول التصويت في جلسة انتخاب الرئيس التي جرت الأربعاء الماضي، موجة من الجدل والأسئلة والتبريرات التي رأى البعض أنها تعبير عن الضياع، وأن عدم توحيد الموقف ناتج من قلة الخبرة في العمل السياسي الحزبي والبرلماني وعدم وجود مرجعيات مقررة، كل هذا يدفع بنواب التغيير الى التباين في المواقف والتعبير عنه في أخذ قرارات وفقاً لتقديرات شخصية أو اعتبارات خاصة، فهم ليسوا كتلة واحدة متحدة، بل متعددو التوجهات والروئ، منهم من استطاع فهم اللعبة وفقاً لتعريف أن السياسة فن الممكن، ومنهم من غرق في شعارات الماضي، ومنهم من أراد المشاكسة بالتعبير عن استقلالية موقفه من دون دراسة موضوعية لانعكاسات خياراته على مواجهة الفراغ الرئاسي.

وبغض النظر، وبحسب مصادر مقربة من أجواء التغييريين، فإن قراءة ما جرى في جلسة 14 حزيران والمواقف التي اتخذها النواب التغييريون الـ12 لا يمكن أن تؤخذ بمعزل عن بعض الأمور، ومنها أن هؤلاء النواب الذين كانوا 13 وأصبحوا 12 يمثلون كل تنويعات “ثورة 17 تشرين” وتلويناتها والتي ضمت أفراداً وجماعات من خلفيات متعددة وتجارب سياسية مختلفة، وبالتالي فإنهم عبّروا عن هذا التنوع، وكان التباين في المواقف واضحاً عندما كانت تطرح مواضيع الساعة السياسية في الأشهر الاخيرة. وبغض النظر عن العامل الشخصي، فإن هذا التباين ترجم بالموقف من “حزب الله” عملياً والعلاقة في المجلس النيابي بالتفاعل مع القوى المعارضة له من أركان السلطة، فاذا كان شعار “كلن يعني كلن” ثابتاً، السؤال المطروح كيف يمكن ترجمته بطريقة مختلفة؟

عندما طرح ترشيح جهاد أزعور كانت لحظة مربكة بالنسبة الى سردية 17 تشرين القائمة على فكرة المواجهة مع الكل، ولكن ترى هذه المصادر أن “هذا الترشيح في الوقت نفسه أعاد الاعتبار الى جوهر فكرة المبادرة الرئاسية التي كانت تقوم على اقتراح أشخاص قد يحظون باجماع الى حد ما، وفي الأصل كانت هناك 3 أسماء اتفق عليها التغييريون، من الشخصيات التي شاركت في السلطة وهم زياد بارود وناصيف حتي وصلاح حنين”.

بالطبع، لا يمكن النظر الى النواب التغييريين على أنهم أصحاب رأي واحد ولا يمكن الطلب منهم ذلك، وهو ما جرى التعبير عنه في المواقف، مثلاً مارك ضو ووضاح الصادق وميشال الدويهي وعلى الرغم من التمايز في التعامل وترجمة المواقف من “حزب الله”، هم مع تعزيز التقاطع مع القوى المناهضة لهذا الحزب، إن كان في الملفات الحقوقية أو بعض الملفات الاقتصادية – الاجتماعية وقضية تحقيق انفجار المرفأ والانتخابات الرئاسية، وهناك مواقف معاكسة من النواب حليمة القعقور وسينتيا زرارير والياس جرادي، فهم أقرب الى عدم المواجهة مع “حزب الله” وعدم التقاطع مع أركان السلطة وبينهما مستويات مختلفة، وهنا تستدرك هذه المصادر بالقول: “في المحصلة نجح نواب التغيير بغالبيتهم الساحقة في الاتفاق على التصويت لأزعور، أي ثلثا الأصوات منهم، ولو لم تذهب هذه الأصوات التغييرية التسعة لأزعور، لكانت النتيجة مختلفة والمشهد مختلفاً، 51 صوتاً لصالح سليمان فرنجية و50 لصالح جهاد أزعور، لكن أصوات النواب التغييريين التسعة لم تسمح لفرنجية بتخطي أزعور ومن هنا حتى في المعسكر الذي كان يجتمع حول أزعور، جرى تهريب أصوات ولم يكن يتوقع أن تصل أصوات فرنجية الى 51 صوتاً”.

قد تشهد الأسابيع المقبلة تحديات ونقاشاً داخل مجموعات 17 تشرين والبيئة التغييرية، فالقرار ليس سهلاً، بحسب المصادر “لكن لا بد من الاشارة الى القرار الشجاع من النواب التغييريين الستة غير ميشال ووضاح ومارك الذين أعلنوا تباعاً قبيل الجلسة التصويت لأزعور ضد فرنجية، وبالتالي ما جمع النواب التسعة اليوم ليس التصويت له لأنه بكل بساطة حتى من صوّت لأزعور هو صوت بالضد، إن كان من القوات اللبنانية أم من بعض نواب التيار الوطني الحر الباسيليين، فهم صوّتوا على التقاطع الذي يطيح بترشيح فرنجية”.

وفي اعتبار المصادر أن “النواب التغييريين التسعة كانوا لاعباً أساسياً في المشهد الانتخابي في البلد وحسموا النتيجة، وهذه الحالة يجب أن تعزز من خلال النقاش بين الجو التغييري، ومع الأشخاص الذين لم يصوّتوا، ومع الذين صوّتوا، قد لا يكون لدى الجميع المقاربة نفسها، فالتقاطع على أزعور هو تقاطع رفض فرنجية ولا يعني بالضرورة العودة الى ثنائية 8 و14 وهي أصلاً لن تعود، فالقوى التي دعمت أزعور تؤكد عدم العودة الى هذه الثنائية القديمة في المشهد السياسي”.

وعليه تقول المصادر: “في المرحلة المقبلة لا يمكن الطلب من النواب التغييريين أن يذهبوا أكثر ويكونوا ملكيين أكثر من الملك في كثير من المسائل وأن يقفزوا وراء الخلافات الجدية مع القوى السياسية، لأن القوى التي كانت تواجه حزب الله سابقاً لم يعد ذلك في سلم أولوياتها ومن هنا لا يمكن الطلب الى النواب التغييريين الذهاب الى القيام بأمور أكبر من قدرتهم على الفعل. اليوم هناك معارك محددة في مواجهة حزب الله يجب أن يخوضها النواب التغييريون بصورة واضحة مع الحفاظ على مواقفهم في الاقتصاد بحيث يختلفون في رؤيتهم مع عدد من القوى السياسية الأخرى”.

شارك المقال