الاجتماع الثلاثي ولقاء الفاتيكان… يؤخران اعتذار الحريري

وليد شقير
وليد شقير

في انتظار أن تتبلور التحركات الخارجية المتجددة في شأن معالجة مأزق الفراغ الحكومي في لبنان، يبدو أن هناك أموراً تعاكس رغبات الفريق الرئاسي الذي يمسك بخيوط تعطيل ولادة الحكومة، مقابل عوامل أخرى تعينه على إطالة هذا الفراغ.

كان الفريق الرئاسي ينتظر ما يتمناه بأن يعتذر الرئيس المكلف سعد الحريري جراء عدم توصل مبادرة رئيس البرلمان نبيه بري لإحداث خرق في جدار الانسداد السياسي، إلى نتائج، ما أحبط محاولاته. وهو ما دفع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الأربعاء الماضي إلى القول إن على الحريري أن يحسم أمره إما بالتأليف أو بالاعتذار، لا سيما أن وعد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله بأنه سيقدم أفكاراً جديدة بعد استعانة حليفه به، بقي نظرياً من دون أي تقدم عملي.

استنتج الفريق الرئاسي من نجاحه بصد كل المبادرات بأنه سيدفع الحريري إلى الاعتذار، طالما أن الأخير كان ربط تريثه في سلوك هذا الخيار بتحرك بري الذي لعب دوراً رئيساً في ثنيه عنه في انتظار المسعى الذي بذله من دون أن يفلح. فهدفه الأساس التخلص من زعيم “المستقبل” في رئاسة الحكومة لا غير مهما كانت التداعيات، على الرغم من دعوته الحريري إلى العودة إلى البلد لتأليف الحكومة. ولذلك قال باسيل في حديث صحافي إنه يخالف الرئيس بري بأن لا بديل عن الحريري في الطائفة السنية. وسادت في الأيام الماضية تكهنات بأن الحريري على قاب قوسين من أن يتخذ قراره.

لكن عوامل عدة أعادت هذا الخيار إلى دائرة التريث، من دون أن يعني أن كفته كانت راجحة قبلها. أولها الاجتماع الثلاثي الذي انعقد بين وزراء خارجية الولايات المتحدة الأميركية أنطوني بلينكن، وفرنسا جان إيف لودريان، والسعودية الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله آل سعود في إيطاليا الثلثاء الماضي في 29 حزيران. وهو جاء بعد اجتماع ثنائي بين بلينكن ولودريان. ومع أن ما صدر عن الوزراء الثلاثة ركز على “الحاجة إلى أن يُظهر القادة السياسيون في لبنان قيادة حقيقية، من خلال تنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها، لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد، وتوفير الإغاثة التي يحتاج إليها الشعب اللبناني بشدّة”، فإن ما أعقبه في بيروت من اجتماع بين السفيرة الأميركية دوروثي شيا والسفير السعودي وليد بخاري، ثم زيارة الأخير لرئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة، له مؤشرات بعد أن كانت الديبلوماسية السعودية تتجنب عقد لقاءات سياسية في ظل الأزمة الحالية.

ويقول مرجع سياسي معني بأن هذه التحركات تفيد بأن “خيار اعتذار الحريري لدى المجتمع الدولي ليس داهماً أو قريباً”، ما يفيد بأن هناك دعوة دولية متجددة إلى التريث في هذا الشأن. ويفترض هذا الاستنتاج أن العامل الثاني الذي يستدعي أن يصر ناصحو الحريري بعدم الاعتذار عليه التريث مجدداً هو الاجتماع اللافت الذي ترأسه البابا فرنسيس في الفاتيكان لرؤساء الطوائف المسيحية الخميس في 1 تموز، والذي أضفت كلمة البابا في ختامه بعداً سياسياً ضاغطاً على الطبقة السياسية. ومع أن الفاتيكان لم يشأ أن يقتصر اجتماعه مع القادة الروحيين المسيحيين على تفاصيل من نوع الخلاف على تأليف الحكومة، لأن دافعه أبعد من ذلك، منذ أن حذر من الخطر على وجود لبنان قبل أشهر، مع ما يعنيه ذلك من مخاطر على الوجود المسيحي فيه، فإن ما كشفه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في حديث تلفزيوني عن أن الحبر الأعظم أخذ وضعية الاستماع إلى التفاصيل في الاجتماع المغلق إلى مداخلات الرؤساء الروحيين يوحي بأن وزير خارجية الفاتيكان المطران بول كالاغار حرص على التذكير بأن زيارة البابا الموعودة إلى لبنان “مرتبطة بتشكيل الحكومة اللبنانية ومن “الممكن” أن تتم في نهاية 2021 أو مطلع 2022″.

لكن الأهم أن ملاحظات البابا في خطابه جاءت معاكسة للسردية التي يستخدمها الفريق الرئاسي في موقفه من تأليف الحكومة. فالرئيس ميشال عون كرر في موقفه على “رسالة العيش معاً على قاعدة الاعتراف بالحقوق والاحترام المتبادل والتوازن”. فهو يتهم الحريري بعدم احترام موقع الرئاسة في التأليف وبعدم احترامه حقوق الموقع المسيحي الأول في الدولة، وفي عدم التوازن في التأليف. وكان الرئيس عون بعث برسالة إلى البابا قبيل الاجتماع بيومين تناولت وجهة نظره هذه. أما النائب باسيل فكان أكثر وضوحاً في طلب انحياز الفاتيكان إلى وجهة نظره حين قال عشية اجتماع روما أن “وجود المسيحيين في لبنان مرتبط بدورهم فإذا انتفى الدور انتفى الوجود. تعاطي الفاتيكان معهم بأقل من ذلك يصيبهم بأضرار بالغة أقلها هجرتهم الكاملة. هم ليسوا بحاجة لمن يفرض وجودهم بل للاعتراف بدورهم؛ الكرسي الرسولي قادر على استنهاض قوتهم فيطمئنون إلى غدهم”. أي أن الفريق الرئاسي يستعيد سرديته الحكومية في مقاربة دور الفاتيكان، بعد أن كان اتهم الحريري قبل أسبوعين في سياق تضخيمه لمسألة حقوق الطائفة المسيحية،  بأنه يريد إلغاء دور المسيحيين مستذكراً تهميشهم في السلطة قبل العام 2005، (أي حين كان عون في المنفى) ليبرر رفضه تسمية الحريري لوزيرين مسيحيين ووقوفه مع سائر القيادات الإسلامية ضد حصول الفريق الرئاسي على الثلث المعطل في الحكومة. إلا أن خطاب البابا معاكس لهذه التوجهات خصوصاً حين ركز على دور لبنان الرسالة من جهة، وكان مباشراً بقوله: ” ليضع كل من في يده السلطة نفسه نهائياً وبشكل قاطع في خدمة السلام لا مصالحه”، بعدما رفض أن يبقى لبنان “رهينة الذين يسعون وراء مصالحهم الخاصة دون رادع”.

وإذا لم يكن المقصود بـ”من في يده السلطة” الرئيس عون وحده، فإنه من المؤكد أنه أحد هؤلاء المسؤولين الأساسيين الذين يمسكون بناصيتها.

أوحى كلام البابا للمهتمين بإحداث اختراق في الانسداد الحكومي، بأن هناك معطى جديداً يفترض ترقب مفاعيله، لا سيما بعد أن أعلن البطريرك الراعي أن الفاتيكان سيواصل تحركه في شأن معالجة الأزمة اللبنانية. وما عزز اختلاف توجهات الفاتيكان عن سياسة الفريق الرئاسي أيضاً ما قاله

السفير البابوي في لبنان المطران جوزيف سبيتيري في مقابلة لموقع فاتيكان نيوز الإلكتروني، بعد انتهاء الاجتماع، إذ قال: في الرابع من آب (انفجار المرفأ) من العام الماضي نزل العديد من الشبان اللبنانيين إلى الشارع، قادمين من الشمال والجنوب، مسلمين ومسيحيين، حملوا المكانس لينظفوا شوارع المدينة. وبفضل هذا التضامن القائم بينهم تمكنوا من صنع المعجزات”.

أضاف: “إننا مدعوون إلى بذل قصارى جهدنا، كي تستمر هذه الفسيفساء في الإشراق، وكي تبقى منارة في منطقة الشرق الأوسط وأيضاً في عالم يسعى فيه كل طرف إلى الانغلاق على ذاته”.

وهذا يؤكد اتجاه الكرسي الرسولي نحو تعزيز العلاقات المسيحية الإسلامية، في وقت يخلق موقف الفريق الرئاسي نزاعاً مسيحياً سنياً.

ومع أن أبعاد الاهتمام البابوي بالأزمة اللبنانية يتجاوز مسألة الحكومة فإن المراقبين يعتبرون أن انتظار ما سيتبع اجتماع روما قد يخلق دينامية تؤجل فكرة اعتذار الحريري لتلمس ما سينجم عنها.

في مقابل هذين العاملين المهمين، الاجتماع الثلاثي وموقف البابا فرنسيس، هناك عامل قد يستفيد منه الفريق الذي يعطل تأليف الحكومة، لإطالة أمد الفراغ هو الاستناد إلى الخطوات التي تتخذ للتخفيف ولو ظرفياً من وطأة الاحتجاجات الشعبية على التردي الدراماتيكي في الأوضاع المعيشية، هو إقرار البطاقة التمويلية للشرائح الاجتماعية الفقيرة والتي انتقلت إلى حال العوز، وهو ما أدى إلى إطلاق وصف الرشوة الانتخابية عليها من أجل الإيحاء للجمهور الواسع بأنه يخفف عنه ضيق الحال. كما أن إعلان صندوق النقد الدولي عن مشروعه بتوزيع  المبالغ التي يحق للدول الأعضاء الحصول عليها من رصيد تأميناتها في رصيده يؤدي إلى صرف مبلغ 900 مليون دولار تستحق للبنان يمكنه أن يمول من خلالها استيراد بعض الحاجات الأساسية. فلطالما راهن هذا الفريق على إيجاد مخارج ولو مؤقتة للتردي الاقتصادي، تساعده على الصمود في طرح شروطه التي تؤخر الحكومة، إلى حد عدم ممانعته المس بالاحتياطي الإلزامي للمصارف (أي ما تبقى من أموال المودعين) و سعى إلى الحصول على مصادر تمويل دولية لتخفيف الضغوط الشعبية عليه. فإذا نجح يواصل ضغوطه لعل يرجح خيار اعتذار الحريري.

شارك المقال