قضية وفاة عسكري في البقاع… بين الاتهام والتوضيح!

راما الجراح

عند سماعنا بمصطلح “الخطأ الطبي”، لا إرادياً نرتعب ونخاف، ويصبح الموضوع حديث الساعة، حتى أنه يبقى على لسان الصغير والكبير لفترة طويلة جداً. لذلك، عند البحث في هذه المواضيع يجب أخذ الحيطة والحذر، ومحاولة تناولها من كل الجوانب ليعطى كل ذي حق حقه، بعيداً عن الطريقة “الفضائحية”، وزج الطبيب والمستشفى في خانة الاتهام من دون أي دليل ملموس، إضافة إلى أن أهل الضحية يضيعون بين “القيل والقال” فتتبعثر الحقائق والنتيجة صفر.

إبراهيم أبو نمري، يبلغ من العمر ٣٠ سنة، من بلدة الصويرة البقاعية، عسكري في الجيش اللبناني، تعرض لحادث دهس عن طريق الخطأ تسبب له بأضرار في جسده ما استدعى نقله فوراً إلى أقرب مشفى “مستشفى الأطباء – المنارة” لمعالجته. تضاربت الأقاويل حول ما حصل معه وتدهور حالته، واتهم المستشفى بالتقصير والاهمال، إضافة إلى أن الوقت لم يكن لصالحه أبداً، ما أدى إلى وفاته. أقارب الشاب اتهموا المستشفى بأنها السبب في وفاته، ويريدون أخذ حقه منها من خلال إقفال أبوابها، في الوقت الذي نفذ فيه أهالي المنطقة وفعالياتها وقفة تضامنية معهم، مطالبين الدولة ووزارة الصحة بالتحرك للتحقيق في هذا الملف، وحل الموضوع بأسرع وقت قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة ويحاول أهالي الشاب إقفال المستشفى بالقوة، وذلك بعد توزيعهم بياناً بإسم شباب الصويرة لهذا الغرض.

أبو نمري: سنأخذ حقنا بيدنا!

بلال أبو نمري، شقيق إبراهيم، أوضح لموقع “لبنان الكبير” أنّ “أخي كان ينزف بعدما دهسه أحد العمّال في مغسل السيارات عن طريق الخطأ، وأنا شخص مدني لا أفقه شيئاً في الطب، واستنتجت أن هناك نزيفاً من العوارض التي كان يعانيها وهو في مستشفى الأطباء – المنارة، من أوجاع شديدة في منطقة القلب وتورم كبير في رجله، وتغير لون شفتيه. وحاولت مع الأطباء في المستشفى أن يساعدوه ويفحصوه مرة جديدة لاحساسي بوجود نزيف، لكنهم استمروا على الجملة نفسها: ليس هناك نزيف بل كسر في فخذه فقط، حتى تبين في النهاية أن الشريان الأبهر كان مقطوعاً وينزف بصورة كبيرة”.

“٤ ساعات في المستشفى تقريباً ولم يقوموا بأي محاولة لمساعدة أخي، وبعدما نقلناه إلى مستشفى تعنايل توفي فوراً لأنه كان مضى على الحادثة وقت طويل ولم نستطع إنقاذه” بحسب بلال الذي ناشد وزارة الصحة المساعدة لأخذ حقهم وإلا سيتحركون لإقفال المستشفى. وقال: “نحن بكل صراحة لا نعلم كيف يمكننا الوصول الى شخص مسؤول في وزارة الصحة، ونناشد عبر الاعلام علّ صوتنا يُسمع في الوزارة، وفي حال لم يتحرك أحد من أجل قضية ابننا ابراهيم، سنقوم بإقفال المستشفى. ولأن أخي ابراهيم إبن المؤسسة العسكرية، وبمعيّة فعاليات المنطقة لإيمانها بأن الدولة ووزارة الصحة تستطيعان أخذ حقنا، تريثنا في القيام بأي رد فعل لمدة أسبوع من اليوم”.

جانبين: لمتابعة الملف ومحاسبة المسؤول

وفي التفاصيل، أكد الشيخ محمود جانبين – الصويرة، أنّ “الشاب نقل بعد الحادثة فوراً إلى مستشفى الأطباء في المنارة، وبعد فحصه تبين أنه يعاني فقط من كُسر في منطقة الفخد بحسب التشخيص الذي قاموا به في المستشفى. لكن الشاب كان يعاني من آلام حادة في منطقة القلب طوال الوقت، وأصبح هناك جفاف في شفتيه، ولكن الأطباء في المستشفى أصروا على أن وضعه طبيعي ولا داعي للخوف، الا أن الأهل قرروا نقله إلى مستشفى تعنايل وللأسف سيارة الدفاع المدني التي وصلت لنقله لم تكن مجهزة حتى بالأوكسجين، وهنا كانت حالة الشاب تتدهور وأصبح هناك ورم ظاهر في رجليه، ووصل إلى المستشفى فاقداً الوعي. بعد التشخيص السريع جاءت النتيجة أنه مصاب بنزيف داخلي! ولم يكتشفوا ذلك في مستشفى الأطباء في المنارة التي يمكن وصفها بمستوصف ليس أكثر”.

أضاف: “كانت حالة الشاب خطيرة جداً ومضى وقت طويل على كل شيء وما لبث أن فارق الحياة عند وصوله الى مستشفى تعنايل. وفي ظل هذا الاهمال الكبير، قمنا بوقفة احتجاج على الأخطاء الطبية التي تحصل في البقاع وإبراهيم ليس الأول ولن يكون الأخير في حال لم يتابع هذا الملف، وهناك إصرار على معرفة مَن قام بالخطأ وماذا حصل، فهل مستشفى المنارة يتحمل المسؤولية أَم مستشفى تعنايل أَم من؟ نطالب بلجنة تشكلها وزارة الصحة لدرس الملف بكل تفاصيله من فحوص، صور وتحاليل، لنعرف مَن المسؤول، ومشكلتنا مع المستشفى الذي تسبب بذلك فقط، ولا مشكلة مع أهل المنارة فهم أهلنا، وبعد اليوم على وزارة الصحة القيام بما يلزم ونحن سنكون بانتظار التقرير الأخير منها لمحاسبة الفاعل”.

الخطيب: نحن تحت سقف القانون

وللاستيضاح أكثر عن الحادثة، زُرنا مستشفى الأطباء في المنارة، والتقينا الدكتور خالد الخطيب الذي أعرب عن حزنه وأسفه الشديد لوفاة الشاب إبراهيم أبو نمري، سائلاً الله أن يلهم ذويه الصبر والسلوان. وروى لـ “لبنان الكبير” ما جرى في المستشفى قائلاً: “أدخل المريض الساعة السابعة مساءً إلى مستشفانا بحالة طارئة اثر تعرضه لحادث سير، وأجريت جميع الاسعافات الطبية الأولية اللازمة للمريض تحت اشراف الأطباء، وموافقة الطبابة العسكرية في أبلح، من سكانر، صور، إيكو دوبلر، فحوص وأدوية. تبين بعدها أنه يعاني من نزيف داخلي، وبناءً على تقرير جراح العظم للحالة الطبية طلب نقله إلى مستشفى فيه طبيب أوعية وقسم لجراحة الشرايين، ووافقت الطبابة العسكرية على نقله إلى مستشفى دار الأمل الجامعي عبر الصليب الأحمر اللبناني، ولكن بناءً على طلب ذويه الذين رفضوا نقله إلى هناك، نُقل إلى مستشفى تعنايل العام عند الساعة العاشرة مساءً بواسطة الدفاع المدني لاجراء عمل جراحي طارئ على شريان الفخذ لتعذر وجود جرّاح أوعية، ومعدات لجراحة الأوعية داخل مستشفانا”.

أضاف: “نحن تحت سقف القانون، وجاء مندوبان من وزارة الصحة وكشفا على التقرير وأخذا نسخة منه، كما أصبحت هناك نسخة مع قسم الطبابة العسكرية في أبلح. نحن لم نقم بأي عملية أو خطأ مع الشاب، وذووه كانوا مصرين على إنتظار أحد الأطباء للكشف عليه في مشفانا قبل نقله ما تسبب بإطالة الوقت أكثر. ليست لدينا أي معلومة عن سبب وفاته الأساسية لأنه بقي في مستشفى تعنايل لمدة يومين بعد نقله من مستشفانا، وعليه لا ندري كيف استنتجوا أننا السبب في الوفاة ونحن نرفض هذا الاتهام ونأسف مجدداً على خسارتهم فقيدهم”.

ياسين: الوقت لم يكن لصالحه

أما مدير مستشفى تعنايل محمد ياسين، فأشار الى أن “الشاب إبراهيم أبو نمري وصل إلى مستشفانا عند الساعة العاشرة مساءً تقريباً، عقب الحادثة بحوالي ٣ ساعات، بعدما اتصل بي أهله لنقله من طوارئ مستشفى الأطباء، وحتى قمت بإجراءات النقل، ولا يخفى على أحد أن إجراءات كهذه من مستشفى إلى مستشفى آخر صعبة نوعاً ما لمعرفة أسباب النقل، والاستفسار عن وضعه وإمكان مستشفانا معالجته وغيرها من الأمور، كما أنني تواصلت مع مسؤول الطبابة في أبلح الدكتور العقيد زياد أبو مخايل عن حالته، وبعدها تم نقله”.

وعن حالته الصحية، أوضح أنه “وصل فاقداً وعيه، وكانت درجة الهيموغلوبين في دمه ٣، بمعنى أن دمه منشف! ولا نستطيع إجراء أي عملية له حتى تعود نسبة الدم في جسمه إلى طبيعتها. دخل في كوما، ووضعناه على جهاز التنفس، وكشف عليه طبيب الشرايين في المستشفى وأكد أنه يجب أن يعود دمه الى درجة ١٠ حتى نتمكن من إجراء أي عملية. بقي في العناية المشددة لمدة يومين وليلة واستهلك الكثير من وحدات الدم، وللأسف لم يستقر وضعه”.

“في اليوم الأخير قرر أهله إعادة نقله إلى قيادة الجيش لمعالجته في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، وحاولوا طوال النهار أن يتم نقله عبر طوافة من الجيش ولكن لم يحصل ذلك وفي اليوم نفسه توفي الشاب” بحسب ياسين الذي رأى أنه “كان يجب أن يدخل إلى غرفة العمليات خلال ساعة من الحادث فقط، لأن النزيف كان في الشريان الأبهر، والوقت لم يكن لصالحه، وللأسف في منطقتنا أطباء الشرايين يمكننا عدّهم على أصابع اليد الواحدة. الرحمة للفقيد، والصبر لذويه، نحن قمنا بكل ما في وسعنا ولكن جسده لم يتحمل كل هذا الوقت”.

قانونياً: الاجراءات بين وزارة الصحة والقضاء

من الناحية القانونية، شرح المستشار القانوني لوزير الصحة عمر الكوش عبر موقع “لبنان الكبير” الاجراءات التي تتبعها وزارة الصحة “اذ تُكلف لجنة للتحقيق في الملف، وتكون بالاشتراك مع نقابة الأطباء، للتثبت من هذه الواقعة والتأكد من أن ما حصل حادث إداري أو خطأ طبي. بعد انتهاء التقرير، وتحديد المسؤوليات، تأخد الوزارة الموقف الاداري الصحيح، بمعنى أي قرار تتخذه الوزارة هو إداري بحت، أما المسؤولية الجزائية والجنائية، أي من ناحية المحاسبة، فالتعويض، الأموال وغيرها تعود للقضاء بناءً على شكوى من أهل المتوفي”.

أضاف: “إذاً، عليهم اللجوء إلى القضاء اللبناني، عبر الادعاء الشخصي بحق المستشفى والأطباء الذين يشكون بأنهم السبب في وفاة ابنهم في النيابة العامة، بعدها القضاء يتحرك ويحدد المسؤوليات، وأيضاً يمكنهم تقديم شكوى إلى وزارة الصحة – مصلحة المستشفيات ونحن نقوم بتحقيق إداري مشترك بيينا وبين نقابة الأطباء. وفي كل الأحوال وزارة الصحة، حكماً عندما تخرج شكوى في ملف كهذا ستتحرك وتتحقق من الأمر بين مسؤولية الطبيب والمستشفى، وبعدها تأخذ الاجراء المناسب”.

شارك المقال