بين “الأشغال” و”البيئة”… ضاع البحر!

نور فياض
نور فياض

يعود شاطئ الناقورة ليتصدر حديث البلد، ليس عن جماله ونظافته ولا حتى عن اعادة تأهيل مرفئه، انما بسبب التعدي والردم، الذي يقوم به نور الخوري مالك عقار ملاصق للبحر. سُجّلت تعديات مماثلة في كفرعبيدا وتحوم والدامور، ولتجنّبها، سارع الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، الى تحويل هذه القضية الى قضية رأي عام، مطالبين وزير الأشغال العامة والنقل في حكومة تصريف الأعمال علي حمية بسحب الترخيص الذي حظي به الخوري في شهر أيلول الماضي ويرمي الى ردم العقار الذي تآكلته الأمواج وتحديد حدوده. وبالفعل، نجح الناشطون في التأثير بالوزارة وسحب الترخيص الوزير حمية الذي أصدر قراراً بوقف الأشغال على شاطئ اسكندرونة الناقورة واعتبار الترخيص بحكم الملغى.

في هذا السياق، أكد مستشار وزير الأشغال قاسم رحال لـ”لبنان الكبير” أن “الوزارة أعطت ترخيصاً لصاحب العقار يتضمن تسييج الأرض بوجود شروط معينة، وبعد اصدار شكوى، أوقف القاضي رهيف رمضان الأعمال، للمزيد من البحث والتشاور مع الوزارات المعنية، لنرى ما اذا كانت الأعمال متوافقة مع الترخيص، اما اذا كانت وزارة الاشغال لم تأخذ ترخيصاً من وزارة البيئة، فبالتالي على الأطراف كافة الاجتماع للبحث في ما اذا كان هناك أي اثر بيئي سلبي وإن وجد يمكن سحب الترخيص وللموضوع تتمة”.

وأشار الى أن “وزير الأشغال لا دخل له بعملية التبليغ، انما المدعي العام يجتمع مع الوزارات المختصة ويصدر قراره لوزارة الداخلية التي بدورها تنفّذ القرار الصادر عن القاضي اما بمتابعة الردم أو بتوقيفه”.

في ما يختص بالأثر البيئي، أوضح الصحافي والباحث البيئي منير قبلان عبر “لبنان الكبير” أن “الأملاك العامة البحرية نُظّمت بموجب القرار ١٤٤/س الذي صدر عام ١٩٢٥ أي في عهد الانتداب الفرنسي، وصنّف الأملاك العامة البحرية ملكاً عاماً ومنع ايجارها أو استعمالها، وتحدث فقط عن إشغالها المحصور بالمنفعة العامة، وبالتالي لا يمكن أن تتحول الى ملك خاص لا بمرور الزمن ولا بشيء آخر، والا يصبح مخالفاً للقانون المذكور أعلاه”.

واعتبر أن “ما يحصل اليوم هو انتهاك فاضح للقرار وتعدٍ على الملك العام وحق الناس، فهو احتلال بكل ما للكلمة من معنى ليس في الناقورة وحسب، انما على امتداد الشاطئ اللبناني”، لافتاً الى أن “الملك العام، بموجب القانون، هو آخر نقطة يصل اليها مد الموجة في فصل الشتاء، كما على مالك العقار الملاصق أن يبعد ١٠٠ متر عن الملك العام. وبالتالي يتحجج البعض بأنهم يملكون عقارات ملاصقة، فهم يحتالون ويكذبون وما يحدث هو اعتداء على الصخور بردمها بهدف انشاء منتجعات”.

أضاف: “يترتب على التعديات خطورتان: اعتداء على الملك العام ومنع الناس من قصد الشاطئ، وعدم دفع الضريبة التشغيلية للدولة. وينتج عنها بيئياً، رمي نفاياتهم في البحر من دون معالجة (صرف صحي، منظفات…) اضافة الى اعتدائهم على الأماكن التي تتكاثر فيها الأسماك وتضع بيوضها مما يؤدي الى انخفاض في الثروة السمكية”.

وشدد على “ضرورة تحرير الشاطئ من المعتدين والمحتلين، كما حررنا مناطقنا من الاحتلال، فهذا انتهاك واضح للقانون بتغطية من السلطة السياسية، ليعود ملكاً لكل الناس من الشمال الى الجنوب”، معرباً عن أسفه “لأننا لم نعد نملك شواطئ عمومية وهذا لا يجوز، وعلينا استرجاعها الى كنف الدولة والمواطنين. وفي حال أرادوا تنفيذ أشغال للإفادة العامة يمكن أن تتم بموجب القانون، وحتى إن أرادوا تنفيذها بالتراضي مع الدولة ودفع المال لها، لا يمكنهم منع الناس من النزول الى الشواطئ، وبعضهم يتخلف عن دفع المستحقات لخزينة الدولة التي عبرها يمكنها جني الكثير من الأموال للخزينة، فإذا كانت الدولة لا تريد جلب هذه المستحقات (تشيلهم منا ومنسترجع الشاطئ)”.

أما جمعية “الجنوبيون الخضر”، فرحّبت بقرار الوزير حمية بوقف الأشغال وسحب الترخيص واعتبار الرخصة لاغية، مذكرة بأن “هذا ما طالبنا به في كتابنا الذي حمل الشكوى وموضوعه الأشغال على شاطئ اسكندرونة والذي على اثره أطلقنا الحملة لوقف الأشغال والغاء الترخيص”.

وقالت لـ “لبنان الكبير”: “نتطلّع الآن الى نتيجة التقرير الذي سترفعه اللجنة الفنية التي ستنتدبها الوزارة الى الموقع والاجراءات التي سوف تتخذها على اثر ذلك، لأن هناك أضراراً نرى وجوب اتخاذ اجراءات ومعايير معينة لاعادتها الى حدود مقبولة لأن الضرر كبير وهناك شبه استحالة لاعادته الى ما كان عليه سابقاً، ولكن بالامكان الحد من هذا الضرر. انه موضوع تقني بحت. كما يجب أن يكون هناك ضمان لمنع اعطاء تراخيص كهذه على الساحل بهذا الشكل منعاً لوقوع أي أضرار اضافية وتشويه معالم الساحل، كما يجب الالتزام بتوجيهات الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية”.

وحول تفاصيل هذه الخطوة، أوضحت الجمعية أنه “بعد ابلاغنا بوجود أعمال على شاطئ اسكندرونة – الناقورة تواصلنا مع وزارة الأشغال وتبين أن الأشغال مستحوذة على ترخيص وبالتالي سجلنا اعتراضنا باعتبار الاجراء غير قانوني وغير مستوفي الشروط، ثم قدمنا كتاباً في هذا الشأن موجهاً الى الوزير يطالب بوقف الأشغال لمخالفتها قانون حماية البيئة ٤٤٤ وأصول مرسوم تقويم الأثر البيئي رقم ٨٦٣٣ وأيضاً تعارضها مع الخطة الشاملة لترتيب الأراضي اللبنانية التي صنفت الشاطئ باعتباره موقعاً طبيعياً ذا أهمية. لكن فوجئنا بمواصلة الأشغال فكان أن أطلقنا الحملة على المنصات لوقف الأشغال ووسم #هذا البحرلنا والتي أخذت تفاعلاً واسعاً بحيث أصبحت قضية رأي عام اتخذ على أثرها المدعي العام البيئي في الجنوب القاضي رهيف رمضان قراراً بوقف الأشغال”.

وأكدت الجمعية أن “القضية بالنسبة الينا لا تنحصر بالعقار ٩٣ والتدمير الذي لحق المصطبات الصخرية التي تؤدي دوراً حيوياً في النظام البيئي والشاطئي والتشويه الذي لحق بالشاطئ والخليج الطبيعي الى ما هو أبعد، وينال كامل الشاطئ الذي تداخلت فيه العقارات الخاصة ويهدده. وغطت نتيجة المسح العقاري الأخير كامل الشاطئ ودخل بعضها البحر وتجاوز الممتلكات العامة البحرية فضلاً عن التعديل العقاري الذي لحقها مما يهدد الساحل في الناقورة بأشغال مشابهة تهدد أهم شواطئ لبنان التي لا تزال تحتفظ بخصوصيتها البيئية”.

ولفتت الى “أننا كنا نتوقع تحركاً سريعاً من الوزير بوقف الأشغال لعدم قانونيتها وللحد من الأضرار التي وقعت خصوصاً أننا بيّنا ذلك في كتابنا، وكذلك كان على البيئة التدخل من طرفها لوقف الأشغال لعدم استيفاء شرط تقويم الأثر البيئي”، معربة عن تقديرها لمواقف النائبة حليمة قعقور والنائبة عناية عز الدين “التي توجهت الى المدعي العام البيئي، كما أعلنت عن دعوة لجنة البيئة النيابية للبحث في الآليات المتبعة وهو أمر حيوي وندعمه”. وتعتبر أنه “من الضروري وقف كامل التراخيص المعطاة على ساحل الناقورة حماية للشاطئ”.

انتصر الناشطون على الدولة، باصدار حمية قرارين حول تعديات شاطئي الاسكندرونة والدامور، ولكن لا يقتصر التعدي على هاتين المنطقتين وحسب، انما هناك تعديات عدة طالت الشاطئ اللبناني على مدى امتداده، ومؤخراً نهر الكلب الذي أثار أيضاً ضجة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتّجه وزير الطاقة والمياه وليد فياض قريباً إلى إصدر قرارٍ بإزالة تعدّي شركة “كازينو وادي نهر الكلب” على هذا النهر، بعدما كشف فريقه الفنّي عليه وتبيّن له عدم التزام الشركة بالترخيص الممنوح لها، وبتوصيته إجراء الأعمال تحت إشراف الوزارة.

اذاً، يغتصب الشاطئ مراراً ولا أحد يتحرك الا بعد البدء بتشويهه وعندها يكون “اللي ضرب ضرب واللي هرب هرب”، عدا عن الرشاوى التي يمكن أن يتقاضاها موظفون لتغطية عمليات التشويه أو تنفيذها، فهل عدوى ردم البحر ستصبح “موضة” تنفّذ عبرها مشاريع، أم أن هذه الموضة بريئة من كل الأفكار السوداوية؟

شارك المقال