لودريان والحل الرئاسي

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

كان وزير الخارجية الفرنسي السابق جان إيف لودريان واضحاً عندما زار لبنان عام 2021 والتقى رئيس “عهد جهنم”، وقال: “بلدكم في خطر ساعدونا نساعدكم”، لكن الطبقة الحاكمة كانت ولا تزال ترى أن الخروج من الأزمات الاقتصادية والمالية التي تسببت بها للبنان، لا يكون الا بالحفاظ على مكتسباتها والاكثار من السلوكيات اللاأخلاقية لحماية مصالحها على حساب الشعب اللبناني وبفعل الفساد الذي تعمم في مؤسسات الدولة واداراتها على كل المستويات، فصار “الهبش” و”النهش” بغياب المحاسبة، مهنة للفاسدين الجدد الذين يستفيدون من وهج أحزاب السلطة والقوة الفائضة، ليكبروا مشاريع أو يعملوا على انشاء شركات بعضها وهمي ومصدر لتبييض الأموال من التجارات غير الشرعية والتهريب.

عاد لودريان الى لبنان كمبعوث للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بمهمة وصفت بـــ “المستحيلة”، فاستمع الى فرقاء لبنانيين واستكشف مواقفهم لحل أزمة الشغور الرئاسي وما اذا كانوا يريدون الحوار قبل انتخاب الرئيس أم بعده، وهو سينقل الى مكلفه مقترحات بناء على الاتصالات التي أجراها وسيعود الى بيروت في زيارة أخرى، ما يعني أن لا حل للأزمة الرئاسية في القريب العاجل، وأن البحث عن حل توافقي سيحتاج الى وقت لا سيما وأن المواجهة بين فريقي الممانعة والمعارضة مستمرة، وهما لا يزالان على مواقفهما المتعارضة والمتشددة، فالتشنج والتحدي واستعراض القوة في التصريحات مستمرة، وكل يشد جهة “اللحاف” الى مرشحه.

بات واضحاً اليوم أن فرنسا تخلت عن دعم سليمان فرنجية والتسوية التي روّجت لها أُقفل بابها، وأن لودريان جاء مستمعاً ولم يحمل أي مبادرة ولم تسفر اتصالاته كما يبدو عن رؤية واضحة لاحداث خرق في جدار الأزمة الرئاسية. ثم ان لودريان يعرف جيداً أن أولي الحكم لا يلتزمون بتعهداتهم ولا يقومون بواجباتهم ودمروا لبنان لانقاذ أنفسهم وقضوا على شعبه ليحموا حلفاءهم وعصاباتهم وميليشياتهم.

ويبدو أن فكرة السعي الى حوار بين الأطراف اللبنانية حول رئيس توافقي مستعصية حالياً على الرغم من التصريحات الودودة التي تخفي استعصاء حصوله، لا سيما بعد جلسة انتخاب الرئيس التي حصلت في 14 الجاري، وكان هدفها اقصاء مرشح “حزب الله” سليمان فرنجية، وكما يبدو اقصاء مرشح المعارضات جهاد أزعور بعدما أعلن رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل أن ترشيحه أدى مفاعيله، ما خلط الأوراق وبدا أن مصير المرشحَين سيعلق الى أن يتضح ما ستؤول اليه المساعي الخارجية وما اذا سيكون هناك امكان للتقارب في المواقف يؤدي الى انتخاب رئيس اصلاحي غير فاسد ومقبول عربياً ودولياً ومتوافق عليه داخلياً بحسب ما يتداول عن اللجنة الخماسية.

الفرنسيون على الأثر أرادوا كسر جبل الجليد الرئاسي، بحركة ديبلوماسية فجاء تكليف لودريان بمهمة استكشافية عن الخيار الثالث، كتعبير عن الاهتمام الدولي بلبنان والعمل على مساعدته للخروج من المأزق الرئاسي، بعدما اتضحت لكل فريق صورة قوته سواء في المجلس أو في التحالفات. وعليه، لا بد أن الواقعية السياسية تفترض أخذ هذه النتائج في أي مفاوضات تضع حداً للفراغ، والا فالسلام على دولة اسمها لبنان، إن عجز اللبنانيون عن التفاهم وايجاد صيغة تنقذ البلد من الهاوية التي سقط فيها ومن تصنيف الدولة الفاشلة عملياً، لأن المراوحة يمكن أن تفجر الوضع الأمني، ولا يمكن الاستمرار في النهج التعطيلي للطبقة السياسية التي تتصرف بعدم مسؤولية وأحزابها لا تهتم حتى بتخفيف الحمل الثقيل معيشياً عن جمهورها وتبقيه في دوامة الانتظار.

شارك المقال