تيمور جنبلاط زعيماً اليوم

صلاح تقي الدين

قدر من يولد في معقل آل جنبلاط في المختارة أن يتولى في مرحلة من حياته قيادة زعامة تاريخية لطائفة الموحدين الدروز عقدت لأبناء دار العزة والكرامة منذ أكثر من 400 عام، فالزعامة التقليدية على دار المختارة تنتقل من الأب إلى الابن منذ أجيال، واستطراداً قيادة مصير ورسم مستقبل أكثر من 80 بالمئة من أبناء طائفة الموحدين الدروز الذين يدينون بولائهم للدار وسيّدها. واليوم تبدأ مرحلة جديدة في حياة الزعيم الشاب تيمور وليد جنبلاط الذي عاش وتربى على يدي زعيم استثنائي، ولا يتردد العارفون والمقربون منه في تأكيد جهوزيته لخوض هذه المرحلة المقدّرة له، وأنه من دون شك سيكون على قدر المسؤولية.

ويعقد الحزب “التقدمي الاشتراكي” اليوم مؤتمره العام الـ 49 في عين زحلتا والمخصص لانتخاب رئيس للحزب وأمين عام إلى جانب ثمانية أعضاء لمجلس قيادته، على أن يكمل رئيس الحزب عدد أعضاء المجلس بالتعيين، وسيعلن فوز النائب تيمور جنبلاط بالتزكية لمنصب الرئيس فيما يعلن فوز ظافر ناصر بمنصب الأمين العام بالتزكية أيضاً لعدم وجود مرشحين منافسين لهما على منصبيهما.

وخطوة انتخاب تيمور لرئاسة الحزب كانت منتظرة ومتوقعة خصوصاً بعد إعلان وليد جنبلاط في 25 أيار الماضي استقالته من موقعه الذي ظل ممسكاً به منذ العام 1977 تاريخ استشهاد والده المعلم كمال جنبلاط. غير أن مسيرة تيمور إلى هذا الموقع بدأت فعلياً في 19 آذار 2017 عندما قلّده والده كوفية الزعامة خلال الاحتفال بالذكرى الـ 40 لاغتيال المعلم وخاطبه حينها: “يا تيمور، سر رافع الرأس واحمل تراث جدك الكبير كمال جنبلاط، واشهر عالياً كوفية فلسطين العربية المحتلة، كوفية لبنان التقدمية، كوفية الأحرار والثوار، كوفية المقاومين لإسرائيل أياً كانوا، كوفية المصالحة والحوار، كوفية التواضع والكرم، كوفية دار المختارة”.

واستناداً الى عارفيه، فتيمور “متواضع وذكي ويحترم الناس، ويصغي أكثر بكثير ممّا يتكلم”، غير أن الصورة العامة التي تكوّنت عنه لدى الصحافيين الذين يحاولون دوماً الفوز بسبق الحديث معه هي أنه “صاحب شخصية قوية ولبقة وجذابة على كل المستويات وساحر يجذب بطلته وشخصيته وكلامه كل الكاميرات”. وكثيرون انتقدوا تيمور منذ ذلك الحين لاقلاله في طلاته الاعلامية على الرغم من أنه تولى المحافظة على تقليد لم يغب يوماً عن دار المختارة وهو استقبال المراجعين والزوار وطالبي الخدمات كل يوم سبت، فكان يحسن الاستماع إلى المطالب ويوعز إلى فريق عمله الذي يواكبه بمعالجة كل حالة وفقاً لما تتطلبه سواء كانت مساعدات صحية، تربوية، اجتماعية أو حتى مالية، وإن كان يقوم بذلك من دون “طنة ورنة” فلايمانه بالعمل من دون ضجيج وأبواق إعلامية.

وبعدما تخلى والده عن مقعده النيابي في العام 2018 وترشّح تيمور إلى الانتخابات، تولى بعد فوزه رئاسة كتلة “اللقاء الديموقراطي” بحيث بدأ “مغامرته” التشريعية التي أنبأت منذ ذلك الحين بأن اهتمامات تيمور التشريعية لا تقف عند حدود، وتولى تقديم عدد كبير من مشاريع القوانين التي وقعها بنفسه أو شارك في توقيعها باسم اللقاء النيابي، بعضها سلك طريقه إلى التنفيذ والبعض الآخر يقبع في أدراج اللجان بانتظار مناقشتها قبل إحالتها على الهيئة العامة لاقرارها.

ولعل هذه البيروقراطية التي تصبغ عمل أجهزة الدولة هو ما دفع الزعيم الشاب إلى التصريح لصحيفة “الشرق الأوسط” قبل انخراطه الفعلي في الحياة السياسية، بأنه “يكره السياسة” لأنها لا تسير وفقاً لما هو مطلوب بل تعتريها عيوب كثيرة لم يستطع أن يهضمها، وهو من جيل شاب مثقف وعاش في أوروبا فترة من الزمن اطلع خلالها على كيف أن السياسة عمل نبيل في خدمة الشعوب ويريد أن يطبق الأمر نفسه في لبنان وهو ما ليس متوافراً لغاية اليوم.

لكن هذا الشاب المثقف أدرك أن قدره المكتوب يحتم عليه التسليم بأن الزعامة معقودة اللواء له، وأن عليه التعايش معها وأن يحاول ممارسة قناعاته ونبله في التعاطي مع متطلباتها على أمل التغيير الذي يمكن أن يحدثه برفقة جيل شاب يؤمن بمبادئه نفسها ويسير خلفه على طريق إصلاح حقيقي وتغيير مطلوب، وهو وعد بذلك عندما قدم ترشيحه لرئاسة الحزب مطلع الأسبوع الحالي.

من المؤكد أن مهمة الزعيم الجديد لن تكون سهلة، فالقضية بالنسبة إليه هي قضية بقاء سياسي ودرزي، فهو حفيد الزعيم الوطني والعربي والإنساني الذي “جازف في السير ضد التيار” ورفض “الدخول في السجن العربي الكبير” ودفع حياته ثمناً لموقفه، ونجل الزعيم الذي تعلّم كيفية “الإبحار مع التيار” فثبّت موقعه وموقع الطائفة وهمّه الوحيد كان في كيفية المحافظة عليها وتجنيبها مخاطر “الأقلية والأكثرية”.

غير أن لتيمور مواقف تشهد على ثقته بنفسه وفهمه لكواليس السياسة اللبنانية وزواريبها، فهو أعلن يوماً أمام حشود في دار المختارة عشية الانتخابات النيابية التي ترشّح إليها في العام 2018 “نحن موجودون وسنبقى موجودين”، موضحاً “هناك كثر يهاجموننا، وأنا أردت أن أوجه الى هؤلاء رسالة بسيطة مفادها أنه مع انتخابات ومن دونها ووفق أيّ قانون أكثري أو نسبي أو مختلط نحن سنبقى موجودين ولا أحد قادر على إلغائنا”.

يولد آل جنبلاط ودماء الزعامة تسري في عروقهم ولا يشكل تيمور استثناء، وإن كان البعض يحاول مقارنته بجده أو بوالده، فالقول الشهير لوليد جنبلاط الذي من حسن طالعنا أننا عايشناه: “لم أكن كمال جنبلاط وتيمور لن يكون وليد جنبلاط”.

شارك المقال