“كزدورة بري” في الوقت اللبناني الضائع

رواند بو ضرغم

يمسك باللعبة السياسيّة بإحكام، يدرك مسار المتغيّرات الاقليميّة، ويتحدّث عن وجهة سير الملفّ الرئاسيّ… يمشي رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي مع المقرّبين إليه والأصدقاء في كزدورته اليوميّة، يضفي الارتياح والاطمئنان على المرحلة المقبلة، ولا تخلو رفقته من روح الفكاهة والنكات والعمق الوطنيّ و”التنقير” السياسيّ.

في حديث سيّد المجلس ثقة المنتصر، والمخَطِّط حتّى بلوغ الهدف، وهو من رسم مسار الحلّ فور انتهاء جلسة ١٤ حزيران، مستبقاً وصول المبعوث الفرنسيّ الخاص جان إيف لودريان، بالزاميّة الحوار للخروج من نفق الفراغ. الفراغ الذي لا يلغي حقّ أحد بالترشح، وخوض الاستحقاق من دون عزل أو إقصاء أو تحدٍّ أو تخوين.

وبعد عصف فكريّ فرنسيّ واستطلاع آراء الأطراف السياسيّة، تمخّض لودريان، فولّد سعياً الى العمل على تسهيل حوار بين اللبنانيّين من أجل التوصّل إلى حلّ توافقيّ وفاعل. حوار ليس في سان كلو، ولا في أيّ دولة خارجيّة، إنّما حوارٌ داخليٌّ، كان قد وضع سقفه الرئيس برّي بأن يكون تحت قبّة البرلمان، ولكنّه لن يبادر هو في الدعوة إليه، لأنّه دعم مرشّحاً وبات طرفاً في الاستحقاق الرئاسيّ، إلّا أنّه أبدى استعداداً للمشاركة في جلسة الحوار، ليس بشخصه، ولكن بتكليف أحد أعضاء كتلته النيابيّة لتمثيله. أمّا في ما خصّ من يدير جلسة الحوار، فقال الرئيس برّي إنها ليست مشكلة بحيث يجري تكليف أيّ أحد.

فكرة لودريان ليست جديدة، اذ بقي الرئيس برّي يدعو إليها طوال إحدى عشرة جلسةً سُمّيت بالمهزلة، قبل أن يصوّت في الجلسة الثانية عشرة لمرشحه فرنجيّة، غير أنّ “التيّار الوطني الحرّ” و”القوّات” رفضا الحوار. أمّا اليوم، فالفكرة لا تزال موجودة ولكنّ الراعي مفقود.

لم يسلْ الرئيس برّي لودريان بالمباشر عن المبادرة الفرنسيّة، إنّما من كلامه فُهم أنّ الفرنسيّين ثابتون على مبادرتهم، ولم يتخطَّوا رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجيّة، لا بل على العكس، فإنّ تمييزه بغداء عمل في قصر الصنوبر أعطى إشارة فرنسيّة إيجابيّة باتّجاهه. ولكن لا يخفي الرئيس بري أنّ لودريان سأل عن إمكان وجود خيار رئاسيّ ثالث، فكان ردّ الرئيس المحنّك على الديبلوماسيّ الذكيّ بأنّ جلسة الحوار هي من تحدّد الأسماء التي ستخوض المعركة الرئاسيّة، ونذهب بعدها إلى اللعبة الديموقراطيّة باسمٍ أو اِسمين أو ثلاثة.

في ردّ برّي ثبات على مرشحه سليمان فرنجيّة من دون إقصاء أيّ مرشّح آخر، و”حزب الله” أيضاً لن يتراجع عن دعم مرشّحه فرنجيّة، لصفاته لا لشخصه. أمّا الفراغ الرئاسيّ، فسيطول في ظلّ الضياع الفرنسيّ وعدم التقدّم السعوديّ واللامبادرة الإيرانيّة.

أوحى لودريان بأنّ المملكة العربيّة السعوديّة لم تتقدّم في موقفها اللبنانيّ وهي مستمرّة في اللافيتو الرئاسيّ. في المقابل إيران لم تبادر إلى فتح الملفّ اللبنانيّ مع السعوديّين، وأولويّات البلدين تصبّ في اليمن وسوريا والعراق. أمّا في لبنان، فإنّ المراوحة ستتمدّد بانتظار الاشارة السعوديّة التي تدفع بالكتلة الدرزيّة والكتلة السنّيّة باتّجاه تأمين النصاب والتصويت بما يؤمّن الأكثريّة لسليمان فرنجيّة. هذا يتطلّب وقتاً، ولكن لا بدّ من بلوغ الهدف، لأنّ قطار المنطقة يسير بعجلة سريعة.

يتحدّث رئيس مجلس النوّاب عن صديقه وليد جنبلاط بحب وعاطفة وصداقة عميقة وثقة، فيبرّر له كلّ ما يفعل، ويثمّن كلام جنبلاط الأب وتيمور نجله بعد الجلسة الانتخابيّة الأخيرة بالدعوة إلى الحوار والتوافق. يحرص برّي على التوجّه إليّ بالقول: “ليس لأنك درزيّة أتكلّم عن وليد جنبلاط بهذا الشكل، بل لأنّ كثيرين حاولوا إبعادنا عن بعض، إلّا أنّهم لم ولن يستطيعوا، فوليد جنبلاط لا يطلب موعداً للقائي، بل هو يفتح الباب ويدخل من دون موعد”. هنا نسأله هل ينتظر وليد جنبلاط التقدّم في الموقف السعوديّ للتصويت لفرنجيّة؟ فيردّ برّي قائلاً: “ليس وليد جنبلاط وحده، أنا نبيه برّي لن أساهم في إيصال أيّ رئيس للجمهوريّة من دون غطاء وموافقة سعوديّة”.

والى حين اكتمال التسوية الرئاسية، سيبقى الحراك الفرنسي يمرر الوقت اللبناني الضائع، ولن يكون من جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية قبل تبلور تفاصيل الحوار، أو اكتمال التسويات الاقليمية التي تريح الأطراف الداخلية.

شارك المقال