الطفار

الراجح
الراجح

منذ بدء إعلان الأجهزة الأمنيّة عن السرقات التي تطال الممتلكات العامة (الخاصة بالحكام) من أسلاك الكهرباء للتوتر العالي والواطي معاً إلى أعمدة الكهرباء نفسها إلى ما يسمى بـ”الريكارات” وصولاً، ومع بداية كل صيف والاعلان عن الموسم السياحي، إلى الحرائق المتنقّلة بفعل مجهول “معلوم”، مع هذا كله انقسمت “الأنتلجنسيا” اللبنانية حول السؤال الكبير: ماذا لو أقدم الجناة على إحراق غابة الأرز كلها؟

هل يؤذي بذلك “الديمومة اللبنانية” ويدمّرها أم تُرى ذلك يجرح خلود “لبنان عبر العصور”؟ وماذا نفعل بدون أرزة العلم؟ أسئلة كثيرة إنقسم دهاقنة الفكر اللبناني حولها، فقال البعض من هؤلاء الدهاقنة: إذا أُحرِق الأرز (لا سمح الله) فيمكننا الاستعانة بالسنديانة ووضعها على العلم مكان الأرزة باحتفال بسيط متواضع في ضاحية الرابية من دون (دعوة السفيرة الأميركية).

أما البعض الآخر من الدهاقنة إياهم فقال: في حال إتلاف شجر الأرز نستبدل “الأرز” بعكش “الخرنوب” (الخروب)، لينوب عن الأرز في العلم اللبناني، “ذلك لأن المسيرة اللبنانية لا يمكن أن تعوقها “صجرة” (الشجرة).

هذا من جانب “الانتلجنسيا”، أما من جانب الدولة، فالتحقيق سيأخذ مجراه (ليل نهار) لمعرفة الجناة، وسيستمر إلى ما لا نهاية تماماً كالتحقيق في انفجار المرفأ وغيره من الجرائم الكبرى.

أما الأوساط السورية فستهتم بالحادث وتعجب بفاعليه. أوّلاً، لأنهم نفّذوا عملية ناجحة ضد السياحة وبدون إذاعة بيانات؛ ثانياً، لأن جناة جبل الأرز، سواء هربوا أم اعتُقِلوا أم أُفرِج عنهم، فسيكونون من المعجبين بالسياحة والتزلّج، ومن ضمنه التزلج المائي!

الأرز، يا سادة، اسم لفرعين الجبل والشجرة. والأرز ليس مُلكاً للرب كما تقول وسائل الاعلام، بل تتقاسم ملكيته مجموعة عائلات بشرانية (آل كيروز، آل طوق، آل عيسى الخوري وآل رحمة). وليس لهؤلاء أية علاقة بـ”الطفار”، وكلمة طفار لا علاقة لها بكلمة الطفر الشائعة المفهوم في بلادنا هذه الأيام. بل هي اشتقاق من فعل طفر، ومعناها باللبناني “هرب من وجه العدالة واختبأ في الجبال أو الوديان” (حسب حالة الطقس وحسب الغطاء، وليس المقصد بالغطاء هنا “الشرشف”). عدد الطفار في لبنان يتجاوز عدد خريجي الجامعات حاليّاً وسيفوقهم مستقبلاً، وهم طبعاً “منتشرون” في جرود بعلبك -الهرمل وجبل الأرز (جبل الرّب سابقاً) وبعض جرود عكار الملاصقة للهرمل، الملاصقة بدورها لجرود الشّقيقة.

لقد أهمل كتاب وزارة التربية الحديث، وعنوانه “تاريخ لبنان الجديد” (وهو غير لبنان الجديد المقترع له في مجلس النواب)، تفسير ظاهرة “الطفار”، على الرغم من وصف الكتاب الذي يدرس في المدارس لحالة الأمن وتأثيرها على الامتحانات، ما حتّم إلغاء إمتحانات شهادة البريڨيه لهذا العام لما يمثّله من خطر طفار الشهادة المتوسطة على الأمن الوطني!

وعلى ذكر الكتب والتربية (وهو حديث غير مستحب) تقول مصادر وزير التربية إنه يفكر جديّاً في تأليف لجنة من الأساتذة المؤلفين لاعادة النظر بمعظم المواد التعليمية الخاصة بالشهادة المتوسطة التي تنتهي بتخريج طفار يشكلون خطراً حقيقياً على المنشآت السياحية ومقابر الكتاب والشعراء والفلاسفة، ما أجبر الدولة على تعزيز الحراسة على ضريح جبران خليل جبران في بشري، وتمثال الامام الأوزاعي، ومقبرة أمين الريحاني في الفريكة، وقبر ميخائيل نعيمة في بسكنتا، وجعل انتشار هذه القوى عاجزة أمنياً عن تغطية إمتحانات الشهادة المتوسطة! وسحب معاليه التأليف من دائرة الديناميت والقنابل الموقوتة في وزارة التربية الوطنية (والفنون الجميلة) وأرسلها الى الجهات الجديدة المختصة.

ويقال بالمناسبة إن حراسة مشددة قد وُضِعت حول “مدرج باخوس” في بعلبك و”قصر الحريم” في بيت الدين ومداخل مغارة جعيتا، من دون نسيان المتحف الوطني في فرن الشباك والمتحف الوطني في وزارة التربية، والأخير مشتق من تحفة!

شارك المقال