الحوار… فشل أم نجاح؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

من جديد تصاعد الحديث عن الحوار بعد زيارة موفد الرئيس الفرنسي وزير الخارجية السابق جان ايف لودريان الى بيروت والمنتظرة عودته في أواسط تموز الجاري حاملاً معه مقترحات عملية لحل الأزمة الرئاسية، قد تتظهر اثر لقاءات اللجنة الخماسية في باريس والاتصالات التي سيجريها مع المعنيين في الخارج. فقد كان لافتاً في بيان لودريان عند اختتام زيارته قوله انه سيعمل على “تسهيل حوار بنّاء وجامع بين الللبنانيين من أجل التوصل الى حل يكون في الوقت نفسه توافقياً وفاعلاً للخروج من الفراغ المؤسساتي والقيام بالاصلاحات الضرورية لنهوض لبنان بصورة مستدامة وذلك بالتشاور مع الدول الشريكة الأساسية للبنان”.

هذا ما أثار عاصفة من التحليلات والتفسيرات المختلفة، لا سيما وأن كلام لودريان أوحى بمبادرة جديدة، وبأن التسوية وضعت على النار، لكن الأسئلة التي تدور في الفلك اللبناني كبيرة، هل ستكون صيغة الحوار المطروحة متناغمة مع الدعوة التي وجهها رئيس مجلس النواب نبيه بري منذ ثمانية أشهر للتفاهم على قبول مرشح الثنائي الشيعي سليمان فرنجية والتسليم بإرادة “حزب الله” وهو أمر مرفوض من المعارضات التي التقت على دعم ترشيح جهاد أزعور في وجه فرنجية؟ أم هو حوار من أجل الخيار الثالث بحيث يلعب حليف الحزب في مار مخايل لعبة ترشيح زياد بارود مغازلاً لاستبعاد ترشيح قائد الجيش جوزيف عون المرفوض منه؟ أم حوار من تقديم ما يمكن تقديمه لهذا الطرف أو ذاك واعادة تقاسم السلطات وتأمين مصالح أطراف السلطة الحاكمة لا سيما “حزب الله” الذي يقبل بأي تسوية على حساب سلاحه ويفتش عن ضمانات ابقاء هيمنته وسلطته بأشكال جديدة، وعلى الطريقة الايرانية التي قامت في العراق واستنساخ تجربة “الحشد الشعبي” أو تجربة “فاغنر” في روسيا أو “الدعم السريع” في السودان، ما يعني بقاء ميليشياته متحكمة بالقرار اللبناني في السلم والحرب، في حين يمكن اسكات حلفائه كما جرت العادة بتأمين مصالحهم الاقتصادية والمالية عبر مؤسسات الدولة التي أفلست بفعل التقاسم والتحاصص والتي تنتظر التوافق اللبناني لانقاذ من ما يمكن انقاذه من حالة الانهيار؟

القول اليوم بضرورة الحوار يطرح السؤال: كيف يمكن أن يحصل ذلك الحوار والدخول الى مغارته قبل انتخاب الرئيس؟ صحيح أن لبنان قائم على التوازنات وهناك كثير من الحوارات جرت في الخارج والداخل بين الفرقاء والقيادات السياسية والنيابية، في جنيف ولوزان وفي سان كلو وفي بعبدا وحوارات دعت اليها اللجنة العربية، وكان الأبرز منها ما تم التوصل اليه في الطائف من وضع دستور جديد يحكم اللبنانيين وصيغة لتطوير نظامه السياسي ويضع حداً للحرب الأهلية وانهاء حالة الميليشيات الحزبية وبسط سلطة الدولة عبر قواها الأمنية الشرعية لا سيما الجيش اللبناني، لكن ذلك كله لا يبرر أن يحصل الحوار سواء في الداخل أو في الخارج اليوم لتحقيق رغبات فريق ومصالحه على حساب فريق آخر، لا سيما وأن المواقف المتشجنة لا تزال تحكم ساحة الثنائيات القائمة “الشيعية” و”المارونية”، وتفكيكها أمر صعب في ظل تصعيد المواقف وتمسك كل طرف بوجهة نظره، ما يسهم في استمرار توتر الأجواء التي ينعكس سلباً على اللبنانيين جميعاً.

والواضح أن الحوار الذي يجري الترويج له يشمل الرئاسة والحكومة معاً بجهود أصدقاء لبنان في اللجنة الخماسية أي سلة متكاملة، بمعنى العودة الى الاتفاقات المسبقة على الرئيس وعلى رئيس الحكومة معاً، وهنا لا يرغب البعض في الذهاب الى أبعد من ذلك، خصوصاً مع تصاعد الكلام عن الفديرالية والعودة الى أفكار التقسيم والدويلات والطائفية. من هنا، تبدو مخاطر توسيع فكرة الحوار الذي قد يأخذ البلاد الى المطالبة سواء بمؤتمر تأسيسي يخدم طرفاً سياسياً وتعديل في اتفاق الطائف ينسف التوازنات ويطيح بالمناصفة، في حين أن العقلانية اليوم هي في التمسك بهذا الاتفاق لابقاء لبنان وتطبيق بنوده التي لم تطبق لغايات معروفة عندما كان لبنان ضحية نظام الوصاية السورية، واليوم لا يمكن أن تكون أي وصاية بديلة لا سيما الايرانية التي تتحكم منذ حرب العام 2006 عبر ذراعها “حزب الله” وتجعل من لبنان أسير حربها النووية مع الشيطان الأكبر.

لا يمكن فرض الحوار على أحد عن طريق التمني أو التهديد اما الحوار أو لا رئيس، صحيح أن المطلوب ترتيب الوضع الداخلي من أجل انتخاب رئيس بعد سحب مرشحي الثنائيات للوصول الى نتائج مفيدة وحتى تركب التسوية، لكن رغبات البعض لا سيما “حزب الله” في الترويج لحل شامل توحي بأن أمور الحوار ليست سهلة لأنها تدفع باتجاه فرض مرشحه على الآخرين أولاً وأخيراً، وهو يرفض البحث في مسألة سلاحه أو تطبيق قرارات سبق أن اتخذت في حوارات بعبدا ولا يريد أن يتحدث في قضايا أخرى وعملياً يرفض التسويات وأن يكون قراره لبنانياً، وهو إن وافق على حوار يتجاوز مسألة انتخاب رئيس بالطبع سيكون همه انتزاع صيغة تحفظ ميليشياته وتضمن بقاء سلاحه، كما يسعى الى تغييرات في النظام السياسي من نوع نائب شيعي لرئيس الجمهورية وتكريس المثالثة وتعديل صلاحيات الحكومة كما في تعيينات المراكز الرئيسة الحساسة في مواقع القرار.

لقد تحول الحديث عن الحوار الى حكاية ابريق الزيت فلا أحد يعارضه، الا أن الشيطان يكمن في تفاصيل المحاور واستغلاله لتحقيق غايات في نفس يعقوب، كما أن التجربة العملية أثبتت أن الانقلاب على مقررات الحوار قد يحصل في كل مناسبة بفعل استخدام فائض القوة الذي أدى وقد يؤدي مستقبلاً الى قلب موازين القوى وأخذ الدولة الى حيث يريد صاحبه.

شارك المقال