“همروجة” الحوار وخيارات المعارضة

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

بعد أن عاد البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي من جديد الى طرح عقد مؤتمر دولي حول لبنان لتقديم رؤية جديدة لدولة مدنية لامركزية وحيادية، واعلان “حزب الله” أنه لا يسعى الى تغيير الدستور وملتزم بالطائف، يطرح السؤال: لماذا اذاً لا يتم اخراج الاستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة وفقاً للآليات الديموقراطية المحددة في البنود القانونية والالتزام بها؟ اذ إن موقف “حزب الله” رد غير مباشر على دعوة البطريرك برفض المؤتمر، فيما هو متمسك بتعطيل انتخاب الرئيس اذا لم يحصل حوار يفرض من خلاله مرشحه للرئاسة ويصوغ تسوية داخلية بين أولي السلطة باخضاعها لتوجهاته، بفعل قدرته على فرض شروطه وطالما أن المعارضين له غير قادرين على فرض مرشحهم.

جاء بيان المبعوث الفرنسي إلى لبنان جان ايف لودريان، بالدعوة الى الحوار للتوصل الى حل توافقي لملء شغور بعبدا وسلوك طريق الاصلاح في المؤسسات وهو شرط أساس للحصول على المساعدات والدعم من الدول الصديقة، الا أن بعض المعارضين بدا غير متحمس للحوار خصوصاً وأن “حزب الله” يسعى الى تكريس مكاسبه، وهو لن يتنازل عن رئيس يديره بما يحفظ مصالحه والتي هي في النهاية لا تصب في خانة انهاء الأزمة اللبنانية، وتعطي بارقة أمل في أن يدخل لبنان عهداً جديداً لا أن يبقى على خط سير العهد العوني السابق الذي يحترق اللبنانيين اليوم في جهنمه.

لكن بحسب المعارضين أيضاً، ليس لدى المعارضة خطة اليوم لمواجهة ما استجد من وقائع، ولن تؤدي التصريحات والدعوات الى نتائج عملية، فحالة الجمود السياسي ستظل قائمة ولن يكون هناك رئيس في القريب العاجل، حتى أن حركة لودريان هي نوع من رفع العتب الفرنسي ونتائجها ستكون محدودة، لأن معالجة معضلة انتخاب الرئيس قرار داخلي مرتبط بقرار “حزب الله” سحب مرشحه للذهاب الى توافق منشود وهو أمر كحلم ابليس في الجنة حتى الآن.

ويعتبر هؤلاء أن ما يعوق التوافق اليوم أيضاً أن الأسماء المطروحة المرشحة للرئاسة لا يتقاطع حولها الجميع وإن كانت أسهم قائد الجيش جوزيف عون عالية الا أنها ليست حاسمة، كذلك محاولة الترويج لاسم زياد بارود لم تحظَ بقبول، والمعارضة لن تستطيع إيصال مرشحها لأن “التيار الوطني الحر” لم يعد جاهزاً وتقاطع على رفض سليمان فرنجية كمرشح وحالياً يفتح قنواته مع “حزب الله” ويريد التوافق معه. كما أن حسابات المعارضة كانت خاطئة في قدرتها على تأمين 65 صوتاً لجهاد أزعور، وتبين أن تخليها عن المرشح ميشال معوض لم يكن رابحاً على الرغم من أنه كان يمكن له أن يخوض مع “حزب الله” غمار معالجة موضوع سلاحه والعمل على تحقيق سيادة لبنان واعادة دورة العمل الى المؤسسات التي جعلها الحزب مشاعات لدويلته.

بالنسبة الى هؤلاء، فإن ذهاب المعارضة الى الحوار اليوم يعني القبول برئيس في بعبدا يدار من الضاحية ويؤمن مصالح الحزب على حساب لبنان، واذا كان الرئيس ميشال عون لم يستطع فعل شيء ولم يقدم له أي تنازل لحفظ ماء الوجه على الأقل، من صديقيه حسن نصر الله وبشار الأسد في موضوع اللاجئين على سبيل الذكر لا الحصر وهو الذي كانت لديه كتلة نيابية كبيرة ويحظى بدعم شعبي واسع، فليس بقدرة أي رئيس قد يأتي نتيجة حوار المعارضات مع الثنائي أن يفعل أو يقدم للبنان شيئاً في ظل الأزمات المتراكمة ومعالجة نتائجها الفتاكة.

ويعتبرون أن الذهاب الى الحوار يعني أن لا رئيس للجمهورية، بل مدير تنفيذي لصالح الوكيل الشرعي “حزب الله”، ولن يكون سوى أداة تنفيذ أي يلعب دوراً أشبه بدور الحكومة مهمته التقيد بتنفيذ نتائج الحوار فقط لا غير، وفي الحوار الثنائي سيسعى الى اتفاق حول كل الأمور وسيكون لديه برنامج جاهز لعرضه ويضع له خطة لتحويله من نص على الورق الى تطبيقه عملياً، ثم سيكون لدى هذا الثنائي خريطة لسياسات تخضع لها الحكومة وتتبع تعليماتها، واذا دخل الحوار في مناقشة المواضيع الشائكة لا سيما مثلاً ما سيرد في البيان الحكومي حول السلاح ودور الجيش ومقاومة “حزب الله” فهذا يعني الدخول في دهاليز قد تؤدي الى ما هو أكبر، اذا استمرت المعارضة في نهج الدفع باتجاه استعادة سيادة الدولة من الميليشيات، وهذا يعني العودة الى الفوضى الأمنية وربما الاغتيالات واثارة الفتن، لاظهار دعوات الفديرالية الطائفية والمذهبية طريق خلاص للبنانيين.

من هنا، يرى هؤلاء المعارضون أن الحوار الذي يدعو اليه “حزب الله” ورئيس مجلس النواب نبيه بري هو حوار لاخضاع المعارضة لارادة هذا الحزب ومحور الممانعة، وأن كل من سيطرح موضوع السلاح سيجري تخوينه، وعليه قد يأتي رئيس تقاطعي توافقي لكنه لن يكون سوى رئيس صوري لا صلاحيات لديه كما في عهد عون وقد يندمون على فرنجية، لا سيما وأنه لم يظهر حتى الآن ما يمكن أن يجري الرهان عليه من خطة لدى المعارضة لمواجهة ما يسعى اليه “حزب الله” من تعزيز لهيمنته وفرض ارادته على اللبنانيين.

شارك المقال