لم يعد هناك دولة للاختلاف حول رئيسها!

صلاح تقي الدين

الأمر لم يعد يطاق. الانهيار المستمر وانحلال كل مظاهر الدولة وصل إلى جميع المؤسسات الرسمية حتى بات يطرق باب مؤسسة قوى الأمن الداخلي بعدما استفحل في حاكمية مصرف لبنان، وعدم حماسة من يسمّون مسؤولين لملء الفراغ في المجلس العسكري، ما يعرّض مؤسسة الجيش إلى مخاطر كبيرة عند وصول خدمة العماد جوزيف عون إلى نهايتها في كانون الثاني المقبل، ولا يزال هؤلاء المسؤولون يفتشون عن جنس الملائكة ويختلفون حول هوية رئيس الجمهورية.

لقد ملّ اللبنانيون من حالة عدم مسؤولية المسؤولين، لذا تراهم ينغمسون في تدبير شؤون حياتهم اليومية ويغنون كل على ليلاه، غير آبهين بوجود شغور في الموقع الدستوري الأول، ولا حتى بوجود حكومة تصريف أعمال مكبلة حتى في شؤون تصريفها، ومجلس نيابي غير قادر على التشريع لألف حجة واهية على الرغم من رفع رئيسه شعار “تشريع الضرورة”، وهو ما يلقى اعتراضاً حتى من أشد المنادين بسيادة الدولة وضرورة انتظام عمل مؤسساتها الدستوري، وحاكمية مصرف لبنان التي تهتز تحت تهديد نواب الحاكم بـ “… وإلاّ”.

دولة لم تعد موجودة بالواقع وليس بالقول، فحتى المواطن الذي يتعرض منزله لسرقة لا يجد في مخفر الشرطة القريب منه إمكان تقديم شكوى ولو ضد سارق مجهول، لأن لا أوراق لدى المخفر لملء بيانات الشكوى، فعلامَ سيتكل هذا المواطن؟ حتماً على بطشه وسلاحه المتفلت، والحوادث التي وقعت لتحصيل الحقوق كثيرة لكن أخطرها ما وقع في القرنة السوداء والتي شكّلت جرس إنذار، لكن على المستوى الشعبي وليس المستوى الرسمي، ولولا حكمة قيادة الجيش في تطويق ذيولها لكانت التداعيات وخيمة.

واشتدت حمية القوى السياسية المختلفة في التعليق على هذه الحادثة، ومحاولة تطويق الاحتقان الذي بدا ظاهراً جلياً في نفوس أهل الضحايا في بشري، كما في نفوس أهل المتهمين في بقاعصفرين، وما إن نجحت محاولات التهدئة حتى عادت هذه القوى إلى إطلاق العنان لمواقفها السياسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

جميعهم بانتظار عودة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان الذي بات واضحاً أن جل ما يحمله لدى عودته، إن عاد، هو دعوة جادة وصريحة الى الحوار، لكن هذه الدعوة المتوقعة بدأت تتعرض لحملات تشكيك بجدواها، فريق يشترط الحوار حول رئاسة الجمهورية دون غيرها من المواضيع، وفريق آخر يريد طرح جميع المسائل الخلافية على الطاولة.

نتيجة هذا الحوار معروفة سلفاً ولن ينتج عنه ما يعيد بناء الدولة ومؤسساتها. فرئيس الجمهورية لا يملك عصا سحرية تعيد تركيب كل قطع “البازل” التي تبعثرت نتيجة سوء الادارة وتمرير الصفقات على حساب العمل المؤسساتي، والذي يتحمل جزء كبير من مسؤوليته العهد القوي السابق.

هل إن المواصفات التي وضعت حول شخص زعيم تيار “المردة” سليمان فرنجية الذي رشحه الثنائي الشيعي ولا يزال مصراً على ترشيحه، تكفي لأن تحل مشكلة لبنان ومؤسساته؟ هل إن قدرة فرنجية على الحوار مع كل الفرقاء، ستعيد الانتظام إلى عمل الادارات والوزارات التي أصبح كل موظف فيها يغني على ليلاه؟ وهل إن قدرة فرنجية على الحوار مع سوريا بهدف حل أزمة اللاجئين السوريين ستجعله قادراً على حل هذه المعضلة المرتبطة بقرار دولي، وسيكون بالتالي قادراً على تخفيف أعباء هؤلاء الأمنية والاجتماعية والاقتصادية؟ وهل إن ما يزعمه فرنجية بأنه قادر على الأخذ من سوريا والمقاومة أكثر من أي شخص آخر، سيجعل منه الرئيس المنقذ من براثن السلاح غير الشرعي ومعابر التهريب غير الشرعية؟ وهل يعتقد فعلاً أنه قادر على حماية ظهر المقاومة؟

في المقابل، هل إن الذين تقاطعوا على اسم الوزير السابق جهاد أزعور يرون فيه القدرة على مكافحة الهدر في مؤسسة كهرباء لبنان؟ وهل سيكون صاحب الخطة الاقتصادية الانقاذية التي إن كان يملكها فهي حتماً من صياغة صندوق النقد الدولي الذي يعمل فيه وإخراجه، والسوابق حول خطط هذا الصندوق في دول كثيرة لا تشجّع على القبول بها؟ وهل سيتجرأ أزعور على طرح مسألة السلاح غير الشرعي والبحث في الاستراتيجية الدفاعية والذي هو من مطلب الفريق الذي يدعمه وتقاطع حوله؟

لا ثقة بكل المسؤولين وليس بينهم من هو قادر على انتشال البلد مما هو فيه، على قاعدة هل المسؤولون عن انهياره هم من سينقذونه؟ الأنكى من ذلك فعلاً، أن من عطّلوا حياة اللبنانيين ومؤسسات الدولة، وأثروا على حسابها، يتعلقون بخيط أمل يتمثل باختيار رئيس على شاكلتهم قادر على المحافظة على استمراريتهم بالحد الأدنى، من دون أي اعتبار لحياة المواطنين وأرزاقهم.

انهارت الدولة وعلى وشك أن تزول، والخلاف مستفحل حول هوية الرئيس. أي رئيس لأي دولة؟ لم يعد هناك ما يستحق هذا الخلاف. لا الاستراتيجية الدفاعية ستقي لبنان، ولا الحوار مع سوريا سينقذ اقتصاده المنهار ومؤسساته المتهالكة، ولا الخلافات العقارية ستحل في ليلة وضحاها وتعيد الحق الى أصحابه، ولا إضراب موظفي القطاع العام سيجد حلاً لأزمة رواتبهم أو يسهم في انخفاض سعر الدولار.

لم يعد ينفع إلا الدعاء والذي يبدو أنه أصبح عصياً.

شارك المقال