“رُبّ ضارة نافعة”… التوتر جنوباً يؤدي الى ترسيم الحدود البرية؟

هيام طوق
هيام طوق

تكثفت الاتصالات والحراك الديبلوماسي والأمني في الساعات الماضية، لتخفيف حدة التوتر جنوباً بعد الاجراءات الاسرائيلية في القسم الشمالي من بلدة الغجر، اذ ثبّتت اسرائيل السياج الجديد الذي ضمّ كامل الجزء الشمالي اللبناني من بلدة الغجر إلى الأراضي السورية. بالتزامن قام “حزب الله” منذ أسابيع بنصب خيمتين في مزارع شبعا، يصرّ الجيش الاسرائيلي على ازالتهما. وذكرت مواقع اخبارية اسرائيلية أن “عناصر حزب الله نقلوا إحدى الخيمتين اللتين نصبهما الحزب من مزارع شبعا إلى لبنان. ولا تزال هناك خيمة واحدة بقيت في مكانها”، إلا أن بعض المطلعين يقولون إن تلك المعلومات غير صحيحة، ولا تزال الخيمتان في موقعهما، مع العلم أن ممثلين عن وحدة العلاقات الخارجية في الجيش الاسرائيلي، قدموا شكوى إلى “اليونيفيل” حول “توسيع موقع حزب الله إلى الأراضي الاسرائيلية”، وأوضح مسؤول أمني إسرائيلي في ذلك الوقت، أنه “تم نقل رسالة ديبلوماسية وعسكرية مفادها أنه إذا لم يتم إخلاء المواقع التي أقيمت على الحدود، فستنفذ عملية لتطهير المنطقة لأنه ليست هناك نية لتحمل الاستفزاز، وهذا عمل استفزازي آخر من حزب الله”.

إذاً، تطالب إسرائيل، لبنان، عبر موفدين دوليين، بإزالة الخيمتين، وهو ما حمله رئيس بعثة قوات “اليونيفيل” العاملة في جنوب لبنان وقائدها العام اللواء آرولدو لاثارو إلى المسؤولين اللبنانيين أول من أمس، إذ زار رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في حضور وزير الخارجية عبد الله بو حبيب، وقائد الجيش العماد جوزيف عون. وتحدثت المعلومات الصحافية أن لاثارو طلب إزالة الخيمتين اللتين نصبهما “حزب الله”، لكنه سمع رداً لبنانياً بأنهما تقعان على أراضٍ لبنانية، وأُبلِغَ أنه بدلاً من البحث في الخيمتين، فليتم الشروع بعملية ترسيم كاملة للحدود البرية، وإنهاء هذا الملف بالكامل.

وقال بري أثناء لقائه مجلس نقابة محرري الصحافة: “الخيم موجودة على أرض لبنانية والمطلوب من المجتمع الدولي إلزام إسرائيل بتطبيق القرار 1701 والانسحاب من الشطر الشمالي لقرية الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا”. وفيما أشار ميقاتي في مقابلة صحافية الى “أننا نسعى جاهدين الى حل قضية الخيم ديبلوماسياً، ونعتبر أنّ بلدة الغجر لبنانية باعتراف الأمم المتحدة. وقد أبلغنا الأمم المتحدة استعدادنا للقيام بالترسيم الكامل لكل حدودنا الجنوبية”، أوضح بو حبيب بعد اللقاء مع قائد “اليونيفيل” أن البحث تناول الأوضاع الأمنية في الجنوب، “ونقلوا لنا مطلب الجانب الاسرائيلي بإزالة الخيمة، فكان ردنا أننا نريدهم أن يتراجعوا من شمال الغجر التي تعد أرضاً لبنانية”، مشدداً على “أهميّة استكمال عمليّة ترسيم الحدود البرية، والبحث في كيفية معالجة النقاط الخلافية المتحفّظ عنها المتبقية ما يعزّز الهدوء والاستقرار في الجنوب اللبناني، ويتوافق مع قرارات الأمم المتّحدة ذات الصلة. نحن سجلنا نحو 18 انتهاكاً إسرائيلياً للحدود”.

وفي ظل هذه المستجدات، تتسارع الاخبار المتناقضة اذ أشارت معلومات صحافية الى أن هناك طرحاً يقضي بنزع “حزب الله” الخيمتين مقابل تراجع إسرائيل عن ضم القسم الشمالي من بلدة الغجر، ووقف العمل في بناء جدار حولها. في حين لفتت معلومات أخرى الى أن المفاوضات لم تصل إلى هذا المستوى، والطروح التي يقدمها لبنان تتمثل في ترسيم الحدود البرية بصورة كاملة، وإنهاء هذه المسألة الخلافية حتى أن هناك من تحدث عن مفاوضات يجريها وسيط دولي تقود الى تسوية النزاع على الحدود البرية بين لبنان واسرائيل.

وفي وقت يجمع المطلعون والخبراء على أن الوضع لن ينزلق الى المواجهة العسكرية، لأن لبنان واسرائيل لا يريدان الحرب، لفت وصول المبعوث الخاص للرئيس الأميركي جو بايدن، آموس هوكشتاين إلى تل أبيب، في زيارة صُنفت بأنها سرية، وعلى جدول الأعمال جهود الوساطة الأميركية لتهدئة الوضع والتوترات مع “حزب الله”، بحسب ما أفادت القناة “12” الاسرائيلية. وفي هذا السياق، لا بد من التساؤل: هل سنشهد على ترسيم الحدود البرية على غرار الترسيم البحري؟ وما هي الآلية والصعوبات التي تحول دون الترسيم خصوصاً أن نقاط الخلاف ليست كبيرة، وتتمثل في 16 نقطة حدودية فقط؟ وهل نصب الحزب الخيمتين بعد التعزيزات التقنية ورفع الأسلاك المعدنية الشاهقة ونصب الكاميرات في الجزء الشمالي من بلدة الغجر، بهدف إثارة ملف الترسيم البري، وامكان استعادة الأراضي المحتلة في الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا بعدما أكد الخبراء أن لبنان خسر كثيراً في الترسيم البحري؟ وهل هناك من وسيط دولي يعمل سراً على ملف الترسيم البري؟ وهل هناك من تسوية؟

رأى العميد هشام جابر في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “أكبر خطيئة ارتكبها الجانب اللبناني حين رسّم الحدود البحرية ولم ينجز معه ترسيم الحدود البرية”، متسائلاً: “لماذا لم نضع شرطاً بترسيم الحدود البرية التي لا تحتاج الى ترسيم انما الى تأكيد، موازياً للترسيم البحري خصوصاً أنه كان مجحفاً بحق لبنان؟”. وأكد أن “الحدود البرية مرسّمة في اتفاقية رودوس سنة 1949 بعد قيام ما يسمى دولة اسرائيل. الحدود البرية هي الحدود الدولية، واذا نظرنا الى الخرائط العادية والسياحية، فنرى بوضوح الحدود البرية بين لبنان واسرائيل. ومنذ سنة 1949 الى اليوم، اغتصبت اسرائيل الكثير من الأراضي اللبنانية، وكل مطلبنا اليوم التأكيد والموافقة على الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين المحتلة الموجودة والواضحة”.

وقال: “ربما هذا التوتر في الجنوب مؤخراً، أزعج أميركا غير المستعدة لتحمّل تبعات حرب تشنها اسرائيل، والرئيس الأميركي جو بايدن هو عراب ترسيم الحدود البحرية. ربّ ضارة نافعة. ربما يؤدي التوتر الى ترسيم الحدود البرية، وربما سيكون هوكشتاين وسيطاً برياً كما كان وسيطاً بحرياً، وعليه تأكيد حق لبنان البري الذي لا خلاف عليه”. وأشار الى أن “الخط الأزرق في الأراضي اللبنانية، وحرم لبنان من مئات الهيكتارات من الأراضي التي تعود الى المزارعين اللبنانيين، ومن المفترض أن يكون منطقة عازلة في حين أن اسرائيل تصل الى حدود الخط الأزرق عبر الآليات والجرافات. كان يمكن تجنب كل هذه الأمور لو كنا أكدنا الحدود البرية”.

ولفت الى أن “مطلبنا تأكيد الحدود البرية، لكن ذلك ليس لمصلحة اسرائيل لأنه يحرمها من المراكز والتلال الاستراتيجية اللبنانية”، مشدداً على أن “من المفروض اليوم أن يسعى الجانب اللبناني الى التأكيد على الحدود البرية، ولا يمكن لاسرائيل المناورة في هذا الاطار، وتتعدّى على الأراضي اللبنانية بحيث أن الحدود واضحة من كفرشوبا الى الناقورة. ولا بد من أن يحصل لبنان على حقه المثبت على الخرائط، اذ أن البحر يختلف عن البر، والحدود البرية واضحة ولا تتطلب خبيراً، لذلك لا يجوز التفريط بها، وكل مسؤول لبناني يفرّط بالحدود البرية تنطبق عليه صفة الخيانة العظمى”.

أما العميد نزار عبد القادر فأوضح أن “عملية الترسيم البري كانت سارية منذ سنوات وكما هو معروف نتج عن ذلك رسم الخط الأزرق على النقاط التي جرى الاتفاق عليها، وهناك عدد من النقاط التي تشكل خلافاً بين الوفد اللبناني والوفد الاسرائيلي برعاية الأمم المتحدة، في الاجتماعات التي تعقد في الناقورة، وقد يكون الاختلاف بسيطاً على أمتار معدودة”، معتبراً أن “الأمم المتحدة اتخذت موقفاً من مزارع شبعا، اذ طلبت التوافق بين لبنان وسوريا على الترسيم قبل طرح الموضوع مع الاسرائيليين، وما زلنا نعيش هذه الصعوبات. في حال عادت الاجتماعات الثلاثية في الناقورة، فلا بد من التوصل الى حلول للخلافات، وهذا ما طالب به الرئيس بري أمس (الأول)”.

وأعرب عن اعتقاده أن “لا علاقة للزيارة التي يقوم بها هوكشتاين الى تل أبيب ومسألة ترسيم الحدود البرية لأن آلية الترسيم البري معروفة الا اذا كان هناك بعض نقاط الاستفهام حول الترسيم البحري، ما يعني أن الترسيم البري لا يحتاج الى وسيط انما يتطلب استكمالاً لاجتماعات اللجنة الثلاثية. الترسيم البري ليس معقداً انما طرفيا النزاع يجعلان منه ملفاً معقداً بحيث أن هناك 3 خطوط: الخط الذي رسمه الانتداب وشكل الحدود بين لبنان وفلسطين، وخط الهدنة الذي التزم به الطرفان، واليوم هناك الخط الأزرق”، مشددا على أن “كل عمل يتطلب النوايا الحسنة من الطرفين، واذا لم تتوافر هذه النوايا، فيمكن أن نترك نقطة واحدة عالقة، ويتأجل الترسيم. ولا يحق لاسرائيل وفقاً للقرار 425 أن تقيم أي شريط شائك على أراضي بلدة الماري اللبنانية بشكل أنها تضم المنازل الى المنازل الأخرى في الغجر الجنوبي”.

وأكد أن “لبنان لا يريد أن يتنازل عن أي متر من الأراضي التي يعتبرها داخل حدوده البرية، وهذا ما أخّر الاتفاق على بعض النقاط، والزمن سيحل كل شيء، وسنتوصل في النهاية الى الترسيم، لكن لا بد من أن تكون هناك سلطة في لبنان قادرة على اتخاذ القرار، وأن تتخلى اسرائيل عن أطماعها وعن العرقلة لتحقيق بعض المكاسب القريبة من الخط الأزرق”.

شارك المقال