قيام الدولة… والحاجة إلى “بق البحصة”

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

في العام 1989 خرجنا من الحرب الأهلية بإتفاق الطائف، عشنا أشهراً وسنوات ونحن نصرخ بأننا نريد جيشاً يحمينا لا ميليشيات حزبية وطائفية، ونريد بناء وطن للجميع واعادة الدولة بدل الدويلات والوحدة بدل التقسيم، ونريد عودة لبنان سويسرا الشرق وعاصمته مدينة للثقافة والفن والعلم والصحة، ونريد اعادة البناء لنشهد على ولادة المارد من تحت الرماد… كدنا ننجح على الرغم من الصعوبات والعراقيل، مع مشروع الرئيس رفيق الحريري بحيث عاد لبنان ليبني علاقات عربية ودولية ويتحول من بلد الحرب والدمار الى بلد السلم والاعمار، بغض النظر عن كل من اعترض أو انتقد أو حارب، جرى بناء الدولة، ومع استشهاده المزلزل اختفت معالمها شيئاً فشيئاً حتى وقعنا في الهاوية.

ما الذي أوقعنا في الجحيم؟ بالطبع انها محاولات الانقلاب على الدولة التي بدأت تتضح منذ أن واجه “حزب الله” وفريق الممانعة بشعار “شكراً سوريا” وعدم تقبل رحيل الجيش السوري بعد انتفاضة الحرية والاستقلال عام 2005، ولم يكن أحد يتوقع لجوء الحزب الى حرب مع اسرائيل في تموز 2006 بصورة مفاجىئة ليقول “الأمر لي” في قرار الحرب والسلم، وأعقب ذلك بحرب التخوين، ثم باحتلال العاصمة من القمصان السود في 7 ايار 2008 وتطويق مبنى السرايا الحكومية وتعطيل الانتخابات الرئاسية، وفرض أمرة سلاحه في الداخل وتقديسه، وبعدها جاء تلغيم الحكومات ومحاولات تمرير الرسائل لتعديل الدستور سواء بالمثالثة والتهديد باسقاط الطائف ضمناً، ولم يعد سلاح “حزب الله” مجرد مشكلة داخلية، بل تحول الى مشكلة أمنية تهدد دولاً عربية عبر تدخلاته هنا وهناك، ثم توسيع دويلته بدعم من الحرس الثوري الايراني لتأكل الدولة ومؤسساتها وتقضي على ما تم بناؤه كرمى لعيون المرشد والديكتاتور.

اليوم لا يمكن أن يستمر لبنان وفقاً لمعادلات “حزب الله” وصحبه، ولا يجب الاسهام في تدمير ما تبقى من الدولة الواهنة وتسريع موتها، بل يجب التفكير بواقعية لانقاذ ما يمكن إنقاذه وعدم الرهان على قدرة الخارج على صياغات جديدة واتفاقات تسووية، فعلى اللبنانيين كما قال المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان بعيد كارثة انفجار المرفأ “مساعدة أنفسهم حتى يساعدهم العالم”، ولكن لبنان كان يغرق الى أن سقط في الهاوية اليوم، مع الفراغ الرئاسي والمؤسساتي وتحكم الفساد في الطبقة الحاكمة تحت مرأى الجميع وعدم النجاح في تحقيق أي خطوة لوقف السقوط المدوي للدولة، حتى اتفاق ترسيم الحدود البحرية أو البنك الدولي أو التحايل لتمرير بعض القرارات تحت عنوان التخفيف من ثقل الأزمات، أو تقديم اغراءات لتمرير مصالح البعض من كيس الدولة وعلى حسابها، حتى بلغ اليأس من قيامة الدولة مبلغه في الدول الصديقة التي تحاول المساعدة من دون طائل.

لماذا؟ لأن “حزب الله” يوارب في قول الحقيقة المعروفة، فكل سياسة التعطيل التي يتبعها تتعلق بمصير سلاحه، هنا باب القصيد فهو يتحدث عن ضمانات وعن حماية الظهر من دون أن يقدم على مصارحة اللبنانيين ويصعّد هنا وهناك، ويرسل رسائل عبر أبواقه الاعلامية من دون أن “يبق البحصة” للخروج من حال المراوحة التي نعيشها.

يجري الحديث في الأوساط السياسية عن أن “حزب الله” لن يفرج عن الاستحقاق الرئاسي من دون أن يكون هناك اتفاق على تشريع عمل ميليشياته كما حال الحشد الشعبي في العراق، وتدور في الكواليس الخلفية اقتراحات منها تشكيل قوة شعبية من ميليشيا الحزب ومن يريد لمقاومة العدو، والعدو ليس اسرائيلياً وحسب، بل كل من يطمع بلبنان ويحاول خلق مشكلات حدودية معه. وعليه، يبقى السؤال: أليس في ذلك عودة الى تشريع الميليشيات الطائفية الحزبية؟ وأين دور الجيش في ذلك كله؟ وبدل أن تصرف أموال من الدولة لتمويل ما يمكن أن يسمى هذا الفصيل الميليشيوي المشترك أليس من الأفضل تعزيز قدرات الجيش اللبناني لحماية الوطن وحدوده من أي عدوان؟

لقد كانت ارادة البعض ضرب هيبة الدولة وبقاء لبنان ساحة صراع اقليمي ودولي، و”حزب الله” كان على رأس هؤلاء بحكم ارتباطاته الخارجية ونشر ميليشياته خدمة للمشروع الايراني.

ولا يتوقع أن يأتي انتخاب الرئيس بالمن والسلوى للبنانيين، وهو أمر لن يحله “حزب الله” الا بالتوافق على التسليم ببقاء سلاحه، فهو لا يريد قيامة لبنان ولا يهمه إن بقيت الدولة أو انهارت ولا إن حصل الشعب على قوته ودوائه وعلمه، بل جل ما يبتغيه تحقيق انتصار وهمي آخر، ولن يخرج من لعبة السلاح ومن اختراعات على الحدود لتوتير الأجواء بنصب خيمة أو مركز مراقبة أو اعتداء على قوة “اليونيفيل” أو السماح باطلاق صواريخ مجهولة، ويغطي من خلال مغامراته حقيقة ما يخفيه لأنه الأعظم، فيما البلد المسكين مستباح والدولة في خبر كان.

شارك المقال