قضاة حماية التعبير

الراجح
الراجح

لقد منَّ علينا الله في هذا البلد بثلاث: “حرية التّعبير وحرية التّفكير والمقدرة على عدم تطبيق أي منهما”.

وهل هناك أفضل من أقوال مارك توين لبداية الاعتراض والاستنكار على حكم السجن للاعلاميّة ديما صادق بناء على دعوى جبران باسيل والمتعلِّقة برأي الاعلامية بالتيار الديموقراطي الذي يشجّع كل شخص على أن يقول رأيه بصراحة شرط أن يكون هذا الرأي يتَّفق مع رأي رئيس التيار، وإلا…؟

وعودة ثانية الى مارك توين، وهي بمثابة نصيحة لديما وغيرها، إذ يقول: “لا تغضب إذا انفجر البالون في وجهك، فأنت من نفخه وأعطاه أكبر من حجمه”.

هذا لأننا أصبحنا نعيش في وطن ينطبق عليه ما قاله محمد الماغوط: “إن حرية التعبير والكلام والمعتقد مضمونة لجميع فئات الشعب، ويستطيع أي مواطن أن يدخل على أي مسؤول ويقول ما يشاء، ولكن متى يخرج فهذه مسألة أخرى، وأضيف، إذا خرج”.

بعد التعمق بحكم الإدانة بالسجن، لم أجد أفضل من إعادة رائعة الأديب موسى الحالول “التاريخ السري لكلبنا نَمّور”. الكلب نمّورالذي يرتدي بذلة عسكرية، وفي هذا رمزية لا تُخْفى على أحد من القرّاء (فالجيوش في كثير من بلدان العالم الثالث مستقيلة من وظيفتها الوطنيّة في الدفاع عن أوطانها، وتختصر دورها واهتمامها بالحفاظ على الزعماء). ثم يأتي غريب، وهو شخصية تظهر فجأة في القصة بأهداف تتدثّر بالعمل الإنساني، ويهدي إلى نمّور شريكة حياة جميلة من سلالة “الرعاة الألمان”، إسمها أماندا. هذه الكلبة المحبوبة ترفض إلغاء الآخر، إذ لا توجد مشكلة لا تُحَل بالتفاوض ولكلٍّ مكان على طاولة الانتصار. (هذه العبارة الأخيرة مقولة السياسي الفرنسي إيميه سيزير).

وفجأة تتحول شخصية نمّور جذريّاً بعد ما ذاق التّرف ونعيم الغرام. لم يعد يرضى باسمه الفلاحي “نمّور”. وبدلاً من أن يدافع بضراوة عن قطيع أهله، كما فعل في أول الأمر، يتحول بمرور الوقت وإدمانه عشق أماندا إلى عميل لذئاب المنطقة، يتواطأ معها على سرقة القطيع، ويكتفي بما ترميه له من لحوم أغنام أهله، وهكذا هي حالنا اليوم.

وإذا أخرجنا هذه القصة من إطارها الرمزي ووضعناها في إطارها السياسي نعلم جيداً أين نحن وإلى أين ذاهبون! أنهي باعتراض شديد على كل من يطلب الحرية ويطالب بها، لأن “العبيد فقط يطلبون الحرية، أما الأحرار، ومنهم ديما صادق، فيصنعونها”.

شارك المقال