من ترسيم إلى ترسيم… لبنان أولاً

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لا أحد يمكن أن يصدق أن مناوشات “حزب الله” مع اسرائيل على الحدود، من خيمة كفرشوبا الى يارين هي فعل براءة حزب ما يسمى “مقاومة”، بل هي قرار مسبق يحقق افادة لايران عبر تحريك المفاوضات من جديد تحت عنوان ترسيم الحدود البرية مع اسرائيل، وبالتالي تقديم التنازلات من لبنان كما حصل في الترسيم البحري، إذ لا أحد يتصور أن هذه الدولة المنهارة قادرة على تحقيق “انتصارات” في الترسيم البري، وهي غير قادرة على ادراة ملف بهذه الحساسية لا يمكن أن تكون سوريا خارجه لحل مشكلتي الغجر ومعها شبعا، الا اذا سلم لبنان بأنها مزارع غير لبنانية وهنا تكمن الخطورة.

وعلى أي حال، فان ما يحصل هو استكمال لعملية التطبيع مع اسرائيل مهما قيل العكس من السلطة الحاكمة وفقاً لتحالفات “العهد القوي”، فلم ينسَ اللبنانيون بعد التخلي عن “كاريش” والنقطة 29 وما ظهر من أن مفاوضات ترسيم الحدود مرتبطة بمسار العلاقة الايرانية – الأميركية.

عندما بنت اسرائيل جدارها في قرية الغجر، اعتبرت أن الترسيم البري قد أنجز، ويومها تحفظ لبنان ورفض التوقيع على الترسيم الاسرائيلي حتى ينجز الترسيم البحري، فالقضية ارتبطت كما هو واضح ببعد لبناني وسوري وبإيران التي احتفظت بالترسيم كورقة في لبنان كما هو الحال مع سوريا في ما يتعلّق بمزارع شبعا وتلال كفرشوبا.

كان هناك خلاف على 13 نقطة برية بين لبنان واسرائيل، ولبنان لم يعترض على وضع اسرائيل الجدار العازل على الحدود، واليوم من دون اعتراضات لبنانية تذكر، الترسيم البري لم يتضمن مزارع شبعا، وهو يعني اعترافاً من الدولة بأنها مزارع سورية، علماً أن من جاهر بمطالبة سوريا بتقديم الوثائق الموجودة عندها والتي تقول بأنها لبنانية، جرى تخوينه من فريق الممانعة الذي أراد الدفاع عن سلاح “حزب الله” كونه موجوداً لتحرير المزارع، بمن فيهم وليد جنبلاط.

المعروف أن اسرائيل في حرب حزيران 1967 تجنبت دخول بلدة الغجر في البداية باعتبارها لبنانية، لكنها احتلتها لاحقاً بوصفها سورية عندما ضمت اليها الجولان والقنيطرة تحديداً، وسكان البلدة من الطائفة العلوية كان عددهم بالمئات، وفرضت عليهم اسرائيل جنسيتها في العام 1981، وزاد عدد سكانها اليوم ليصل الى بضعة آلاف، وقاموا ببناء منازل في الأراضي الشمالية للبلدة أي في الأراضي اللبنانية، وقد تحولت الى منطقة سياحية.

وتعقدت المشكلة، فالسكان اسرائيليون من أصل سوري يقيمون في أرض لبنانية. جزء منهم في أرض لبنانية بمقتضى خط الانسحاب الاسرائيلي عام 2000، والسلطات اللبنانية لم تقم بالحفاظ عليها، كما أن السلطات السورية لم تدافع عن أصول مواطنيها وحقهم في أرضهم التي هي جزء من الجولان المحتل.

وبحسب الأمم المتحدة في الغجر أملاك سورية على أرض لبنانية، وفي تلال شبعا مزارع لبنانية على أرض سورية، ومن هنا لا بد من أن ترسيم الحدود اللبنانية – السورية من دون أي تأخير يترافق مع المفاوضات الموعودة بانتظار وصول آموس هوكشتاين.

قضية الغجر ليست مستعصية الحل اذا أمسكت الدولة بالملف، ولكن قضية شبعا معقدة لعدم وجود ضوء أخضر من ايران، التي تمسك بخيوطها في يديها لأن حلها مع الأمم المتحدة سيعني عدم الحاجة الى سلاح حزب المقاومة الذي يتذرع بأنه لتحرير المزارع المحتلة منذ العام 2000 ولم يخطُ خطوة في هذا الاتجاه.

تاريخياً، الحدود البرية بين لبنان وفلسطين مرسمة منذ أيام الانتداب، في إتفاقية “نيو كمب” العام 1922، والاتفاقية موثقة في عصبة الأمم عام 1924، واعتمدت كأساس في إتفاق الهدنة بين لبنان وإسرائيل عام 1949، من هنا يعتبر بعض المحللين أن حماسة السلطة لموضوع ترسيم الحدود البرية هي تقديم “باس” لايران من خلال موافقة الحزب على التفاوض خدمة للمصالح الاسرائيلية – الأميركية، وما بدعة الخيمة الا وسيلة ناجعة لتبرير ذلك.

ولا بد من الاشارة هنا الى أن “إتفاق الاطار” تضمن الاعتراف بحدود إسرائيل وليس فلسطين المحتلة، وبموجبه تم الترسيم البحري وتخلى لبنان عن نقطة رأس الناقورة وباتت العلامة B1 في مهب الريح، كما التراجع الى الخط 23 بدلاً من الخط 29 والتخلي عن حقل “كاريش” لاسرائيل التي حصلت أيضاً على حصة من العائدات في البلوك رقم 9.

لا أحد يتوقع تطورات عسكرية تؤدي الى حرب مع اسرائيل فكل ما يجري استعراضات في الوقت الضائع، وليس من مصلحة أحد تطيير الانجازات الموعودة من عمليات التنقيب عن الغاز، ومقدمة للترسيم البري وبالطبع سيكون في جعبة هوكشتاين مقترحات يقدمها بما يحفظ المصلحة الاسرائيلية ولكن المسألة قد تتطلب وقتاً لأنها تتعلق أيضاً بشبعا وبنقاط الخط الأزرق، ولا يمكن أن تقتصر عملية التفاوض على لبنان واسرائيل وحسب، بل لا بد من مفاوضات بين سوريا واسرائيل. والسؤال: هل سوريا مستعدة لذلك ولتقديم الوثائق التي تقول ان مزارع شبعا لبنانية الى الأمم المتحدة ليجري الترسيم البري وفقاً لذلك، وهو ما يتطلب ما هو أبعد، أي انسحاباً اسرائيلياً ويطرح مصير السلاح داخلياً في لبنان وسيترتب عليه أيضاً فتح ترسيم الحدود البرية بين لبنان وسوريا لحل النقاط المتداخلة، وكل هذا يتطلب من لبنان أن يكون حاضراً وقادراً على تنفيذ القرارات الدولية والدفاع عن حقوقه من دون تقديم تنازلات يستفيد منها عدو أو صديق، فمصلحة لبنان أولاً؟

شارك المقال