قرار البرلمان الأوروبي… مواقف شعبوية تحكمها الازدواجية

هيام طوق
هيام طوق

منذ أيام، قال النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي تييري مارياني إنّ “القرار الذي تقدّم به حزب الشعب الأوروبي (PPE)، أصبح بمثابة طعنة حقيقية في ظهر اللبنانيين”، مشيراً الى أن “نص القرار يتّهم الشعب اللبناني بالسماح بتصاعد الخطاب المعادي ضد اللاجئين. البرلمان الأوروبي يتّهم أحد أكثر شعوب العالم ترحيباً بضيوفه برُهاب الأجانب. الأسوأ من ذلك أنه يدعو مجدّداً إلى إعالة اللاجئين السوريين على الأراضي اللبنانية بدلاً من إعادتهم الى سوريا”. ثم كتب لاحقاً في تغريدة على “تويتر”: “كما قد أعلنت، صوّت البرلمان الأوروبي بأغلبيّة ساحقة على قرار يدعم بقاء النازحين السوريين في لبنان”.

ورأى البرلمان الأوروبي أنّ “عودة اللاجئين يجب أن تكون طوعية وكريمة وآمنة، وفقاً للمعايير الدولية”، وحضّ على “استمرار تقديم المساعدات الانسانية للسكان اللبنانيين واللاجئين، مع ضوابط صارمة، وعلى انضمام لبنان إلى اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951 وبروتوكولها لعام 1967”. كذلك حضّ لبنان، في حال اتخاذ أي إجراء في شأن الهجرة، على “الامتناع عن الترحيل وفرض إجراءات تمييزية والتحريض على الكراهية ضد اللاجئين السوريين”، داعياً “الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء إلى مواصلة تقديم التمويل لـ (الأونروا) الخاصة باللاجئين الفلسطينيين واللاجئين السوريين”.

وطغى القرار الأوروبي على المشهد السياسي الداخلي، وتحدث عنه كثيرون من وزراء ونواب، وأدلوا بدلوهم، معتبرين أن هناك نوعاً من لغة استعمارية، واتهام لبنان ومؤسساته بالعنصرية، أمر مرفوض خصوصاً أن فرنسا والدول الأوروبية ترفض دخول اللاجئين الى أراضيها، الا أن البعض رأى أن هذه المواقف فاترة ومنفردة، وتهدف الى الشعبوية، ولا تستند الى الركائز العلمية والواقعية ربما لأن البنود التي سبقت بند اللاجئين، تحدثت عن عقوبات على معطلي العملية الديموقراطية ومعرقلي عمل المؤسسات الدستورية في لبنان.

وفي هذا السياق، لفتت تغريدة النائب ابراهيم كنعان التي قال فيها: “المواقف المنددة بقرار البرلمان الأوروبي المتعلق بالنازحين السوريين في لبنان لا تسمن ولا تغني ولا تبرئ ذمة البعض من تقصيرهم منذ البداية في مواجهة هذا الواقع أو العمل الجدي على معالجته وتغييره بالتعاون مع الأحزاب والكتل النيابية الأوروبية التي عارضته وعلى رأسهم @thierrymariani وزملائه في التجمع الوطني. الى اللقاء في تشرين الأول في ستراسبورغ للقاء موسع في البرلمان الأوروبي حول هذه القضية”.

على أي حال، بعيداً من الشعبوية، والانحياز الى هذا الفريق أو ذاك، كيف يقرأ المعنيون والخبراء والمتابعون قرار البرلمان الأوروبي، وما تبعه من مواقف في الداخل اللبناني؟

اعتبر المدير التنفيذي لـ “ملتقى التأثير المدني” زياد الصائغ أن “القرار لا يتضمن أي جديد انما يعبّر عن موقف الاتحاد الأوروبي المعروف من قضية اللاجئين أي العودة الآمنة والطوعية، واستمرار الدعم على المستوى الانساني للبنان وللمجتمعات المضيفة. ما هو جديد دعوة لبنان الى التوقيع على اتفاقية 1951 وبروتوكولاتها، لكن هذا تمنٍّ لأن قرار التوقيع يعود الى لبنان الذي لم يوقع عليها سابقاً لأنه يستقبل اللاجئين الفلسطينيين، ولبنان ليس بلد لجوء انما بلد عبور. والجديد أيضاً، الادانة الكاملة لخطاب التحريض الذي تنتهجه بعض القوى السياسية لأهداف سياسية لا علاقة لها بعودة اللاجئين”، معرباً عن أسفه لأن “القراءات التي نسمعها لا علاقة لها بالبنود الـ 12 قبل فقرة اللاجئين، وهي الأهم، ومنها: التلويح بالعقوبات على معرقلي العملية الديموقراطية من انتخاب رئيس الجمهورية وإدانة تأجيل الانتخابات البلدية، وتحوّل لبنان الى مقر لتجارة الممنوعات، والانقلاب على الدستور، وقبضة حزب الله وانتهاك السيادة. علينا أن نقرأ التحوّل في الموقف الأوروبي في مقاربة مسببات الأزمة التي يعيشها لبنان وليس العوارض”.

أضاف: “الأهم من كل ذلك، أن البيان ربط الأمن القومي في لبنان بالأمن القومي الأوروبي، وكأنه يقول ان لبنان جزء لا يتجزأ من الاستقرار في أوروبا، ومن هويتها، وهذا ليس بالموقف العادي والبسيط لأن الاتحاد الأوروبي يعمل وفق سياسة الجوار الأورومتوسطي. وبالتالي، هناك حرص أوروبي على الحفاظ على انتظام عمل المؤسسات في لبنان”.

وشدد على أن “ليس هناك من أمر استثنائي في القرار انما ما هو خطير، البروباغندا التي تم تسويقها في لبنان على قاعدة أن القرار تضمن ابقاء اللاجئين على أرضه، وهذا غير صحيح لأنه تحدث عن توافر الظروف الآمنة والطوعية لعودتهم، ولم يتحدث عن إبقائهم في لبنان. علينا أن نقرأ النص كرجال علم وليس كرجال سياسة”، مشيراً الى أن “هناك من اكتشف في الداخل اللبناني، خطورة ما ورد في البيان اذ هناك تصويب على أحد مسببات الأزمة الذي هو السلاح غير الشرعي مربوطاً بحالة الفساد، وهذا انتصار لخيار 17 تشرين. وبعد أن كان البرلمان الأوروبي يدعو الى الحوار، يبدو التغير الراديكالي واضحاً في بيانه لمصلحة طموحات الشعب اللبناني. لكن على الرغم من ذلك، كان من الأفضل أن تكون الفقرة المتعلقة باللاجئين أقوى، وأن تشير بصورة أوضح الى العودة، وضرورة فتح باب النقاش والمسار العملاني للعودة لأن الاتحاد الأوروبي يعلم أن عوائقها داخل سوريا”.

ورأى الصائغ أنه “لا يجوز أن نضع أنفسنا في مواجهة الاتحاد الأوروبي كما وضعنا أنفسنا في مواجهة العالم العربي مع ضرورة الحذر والتنبه من التسويات فيما بعد”، منبّهاً على أنه “في حال نجحوا في جرّنا الى مشكل دموي، نخسر قضيتنا ونخسر قضية اللاجئين”. واعتبر أن “الشعبوية لا تجوز على حساب الحقيقة. هناك مواقف ديماغوجية وشعبوية ليست لها أي قيمة علمية. علينا أن نعمل وفق العلم والسياسات العامة والحوكمة الرشيدة. ورأينا الديماغوجية والفولكلورية والشعبوية الى أين أوصلت البلد”، لافتاً الى “استمرار غياب ديبلوماسية العودة، واستبدالها بديبلوماسية الاشتباك العبثي”.

وأوضحت الكاتبة السياسية السورية عالية منصور أن “التعامل مع القرار يتم انطلاقاً من بروباغندا تأتي في اطار الحملة ضد اللاجئين السوريين في لبنان. القرار تحدث عن عدد كبير من المواضيع المهمة، مثل سلاح حزب الله وانتخاب رئيس الجمهورية وانفجار المرفأ والتحقيقات. لم نسمع اعتراضاً على هذه المواضيع، لكنهم اعتبروا أن المس بالسيادة متعلق بموضوع اللاجئين فقط”.

ولاحظت أن “هناك نوعاً من الازدواجية في المواقف، اذ هل يمكن المطالبة بالسيادة حين تناسبنا ولا نطالب بها حين لا تناسبنا؟ سوريا غير آمنة، ويعلم المسؤولون اللبنانيون أن الرئيس السوري بشار الأسد لا يريد عودة اللاجئين، ويستخدم هذا الملف لابتزاز الدول، وربطه برفع العقوبات عنه وإعادة إعمار سوريا، مع العلم أنه حتى لو حصل الاعمار، الرئيس السوري لن يسمح بالعودة طالما هو موجود”، مشيرة الى أن “اللاجئين في لبنان يشكلون عبئاً على لبنان، لكن المسؤولية لا تقع لا على المواطن اللبناني ولا على اللاجئ السوري، انما على من هجّر هؤلاء ومعه شريك لبناني أساس هو حزب الله، كما ان الحكومة اللبنانية ليست لديها أي خطة للعودة”.

ولفتت منصور الى أن “هناك فبركة للأخبار لتستمر حملة التحريض”، متمنية “ألا يدخل الاعلام اللبناني في متاهة قرار البرلمان الأوروبي الذي لم يصوّت على توطين السوريين مع العلم أن القرار غير ملزم للبنان، وليس من مصلحة أي طرف عدم الاضاءة على البنود الأخرى التي وردت فيه الا حزب الله”.

شارك المقال