ما هكذا تورد الإبل!

صلاح تقي الدين

يضرب هذا المثل لمن يقوم بعمل أو يؤدي مهمة بلا حذاقة أو إتقان، وهذه هي حال العهد القوي السابق الذي بقيت مورثاته قائمة حتى اليوم من خلال الوزراء المحسوبين عليه في حكومة تصريف الأعمال، حيث بات دورهم معطلاً ولا يقيمون لانتظام عمل المؤسسات والدوائر الرسمية قيمة، ولعل هذا يعود إلى استكمال مخطط الانهيار الذي بدأوا به.

سبب هذا الكلام هو التعنّت الواضح من “التيار الوطني الحر” الذي بات شغله الشاغل الوحيد منذ نهاية عهد الرئيس السابق ميشال عون، معارضة أي خطوات يفترض بحكومة تصريف الأعمال أن تقوم بها لتأمين استمرارية المرفق العام، وتصعيد اللهجة ضدها وضد رئيسها نجيب ميقاتي بحجة مصادرة القرار الماروني واستغلال غياب رأس الدولة، ضارباً عرض الحائط بكل المناشدات التي توجه إليه للقيام بأقل واجباته وهو تأمين انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

وإذا كانت الحرب الشعواء التي شّنها عون وكان فيها الصهر الميمون جبران باسيل رأس الحربة ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من خلال أدواته القضائية وأبواقه الاعلامية والتعليمات “الجريصاتية” قد أفلحت لغاية الآن في جعل الحاكم يرفض أي محاولة تدفعه الى القبول بالبقاء في منصبه بعد انتهاء ولايته الدستورية في نهاية الشهر الجاري ولو بصورة مؤقتة حفاظاً على الاستقرار النقدي ومنعاً للانهيار والارتطام الكبير، إلا أن الحرب التي يشنها ضد قائد الجيش والمؤسسة العسكرية الأم ليس لها ما يبررها سوى دفع المؤسسة الوحيدة التي يجمع اللبنانيون على أنها الضامن الوحيد للأمن والاستقرار الاجتماعي في البلد، إلى التفكك.

صحيح أنه استناداً الى الأعراف السابقة، فإن رئيس الجمهورية يختار من يرتاح إليه في قيادة الجيش، والمديرية العامة للأمن العام، وحاكمية المصرف المركزي، إلا أنه بغياب هذا الرئيس، لا يمكن فهم محاولات التعطيل التي يمارسها هذا التيار (أكثر من غيره) الا أنها تصب في خانة المزيد من تحطيم المؤسسات وتفكيك أركان الدولة.

وإذا كانت حاكمية المصرف وفقاً لقانون النقد والتسليف، تؤول إلى النائب الأول للحاكم لدى غياب هذا الأخير، ما يجعلها قادرة على الاستمرار والقيام بالدور المنوط بها، وإذا كانت المديرية العامة للأمن العام وفقاً للقانون الذي أنشئت بموجبه نصت على وجود منصب معاون أو مساعد للمدير العام، ما جعل انتقال مهمات المدير من اللواء المتقاعد عباس إبراهيم إلى مساعده العميد الياس البيسري (اللواء حالياً)، إلا أن قانون الدفاع نص بوضوح تام على أن من يقوم بمهام قائد الجيش لدى غيابه هو رئيس الأركان دون سواه.

وهنا بيت القصيد بحيث لا يمكن فهم إصرار وزير الدفاع “العميد” المتقاعد موريس سليم على عدم القيام بالدور المطلوب منه في ملء الشغور الحاصل في المجلس العسكري غير المكتمل من خلال تقاعد كل من رئيس الأركان والمفتش العام ومدير الادارة، الأعضاء الحكميين في هذا المجلس، ما يجعل قائد الجيش مكبلاً وغير قادر على الغياب ولو لساعة واحدة عن القيادة حتى ولو بحجة المرض، لأن من يجب أن يدير المؤسسة عنه تقاعد (اللواء أمين العرم) ووزير الدفاع يرفض اقتراح اسم ضابط بديل بعد اقتراح قائد الجيش أن يرفعه إلى مجلس الوزراء لاصدار مرسوم تعيينه.

وإذا كان مبدأ عدم جواز قيام حكومة تصريف الأعمال بتعيينات، الأمر الذي يتحجج به الوزير سليم، فإن حالات الضرورة القصوى وتسيير المرفق العام تفترض وجود رئيس للأركان يقوم بمهام قائد الجيش وفقاً لقانون الدفاع، وتحتم على الوزير تحكيم ضميره، العسكري أولاً، للتشاور مع قائد الجيش واقتراح اسم ضابط لترشيحه إلى رئاسة الأركان ورفع الاسم إلى مجلس الوزراء، وأن يحضر الجلسة التي تصدر مرسوم التعيين، وفي أسوأ الحالات أن يوقع المرسوم كما فعل في الترقيات الأخيرة من دون حضور الجلسة.

ما هكذا تورد الابل يا معالي الوزير. موقفك السياسي ووفاؤك للرئيس الذي عيّنك في منصبك الوزاري مفهوم، لكنك لطالما عرّفت عن نفسك بأنك ضابط متقاعد من الجيش وتفاخر بأنك خدمت في هذه المؤسسة 40 عاماً، فلا يجوز أن تحكم وفاءك وموقعك السياسي لتسهم في احتمال انهيار المؤسسة الوحيدة التي نجت، لغاية اليوم، من براثن الانهيار الذي بدأه العهد السابق وأوصلنا إلى جهنم التي وعدنا بها.

رأفة بضباط الجيش ورتبائه وعناصره، سارع إلى اقتراح اسم رئيس للأركان وتخلَّ عن حجتك التي سمعتها بالأمس على شاشة التلفزيون أن لدينا ستة أشهر قد نشهد خلالها ولادة رئيس للجمهورية. كلام غير مقبول وحجة ليس هناك ما يبررها.

شارك المقال