مؤامرة الحزب – باسيل

عاصم عبد الرحمن

ما إن أعلن السيد حسن نصر الله عن عدم موافقته على تعيين حكومة تصريف الأعمال لحاكم جديد لمصرف لبنان حتى استُهلَّ الغزل السياسي بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” وبلغ حدَّ عقد جلسات حوار بين الطرفين أُسقطت في رحابها الشروط والاعتبارات واللاءات كافة، فهل تأمنت مصالح المسيحيين وبات لهم رئيس قوي؟

منذ انطلاق عداد الأيام الأخيرة من عهد الرئيس السابق ميشال عون تولى فريقه الاستشاري مهمة إشاعة أجواء فوضى دستورية ستنشأ عن تولي حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئيس الجمهورية، معلناً بذلك نزع الشرعية عن أي قرار تتخذه هذه الحكومة إبان الشغور الرئاسي على أن يقاطع وزراء التيار جميع الجلسات مهما بلغت التحديات، واستكمالاً للنوايا التعطيلية التي تربص بها عون قام بتوقيع مرسوم استقالة الحكومة لشلها عن العمل بصورة نهائية، إلا أن توقيعه وبحسب النص الدستوري هو لزوم ما لا يلزم على اعتبار أن الحكومة مستقيلة حكماً وفق الدستور.

شكَّل ذلك الفرمان الدستوري الذي وقعه ميشال عون الحجر الأساس في معركة جبران باسيل الرئاسية وكذلك الوجودية لاستخدامه سلاحاً تعطيلياً ساعة يشاء، وما أشبه اليوم بالأمس حين وقع الرئيس السابق أمين الجميل مرسوم تعيين رئيس المجلس العسكري آنذاك العماد ميشال عون رئيساً لحكومة انتقالية مهمتها تأمين إجراء انتخابات رئاسية عام 1988، والذي استهلكه عون حتى الرمق الأخير مستغلاً السلطات الممنوحة إليه بموجب الدستور لتأمين حكمه وتالياً إطباقه على مقاليد السلطة والحكم، وكان ما كان من حربَيْ الإلغاء والتحرير وسقوط للنظام الرئاسي بمعنى أدق فقد أُتمَّ التمزيق الأولي للدور المسيحي على يد المسيحي الأقوى حينذاك.

اليوم لم يضطر التاريخ الى أن ينتظر أكثر من ثلاثين عاماً ونيف لتكرار الجريمة نفسها على يد الفاعل نفسه، فتحتَ شعار دور المسيحيين وحماية موقع رئيس الجمهورية وصلاحياته يتصدى صهر المرتكب الأول لممارسة حكومة تصريف الأعمال أي دور في سياق التسيير الضروري للمرافق العامة والحاجات الملحة، على الرغم من خطورة استمرار الفراغ في رئاسة الجمهورية وشغور وظائف الفئات الأولى أهمها حاكمية المصرف المركزي وقيادة الجيش تباعاً لما لها من انعكاسات شديدة السلبية على مشاركة المسيحيين في السلطة، وتالياً مخالفة الدستور لناحية تحقيق المناصفة في مناصب الدولة وفق ما نصَّ عليه دستور الطائف.

يجلس إذاً طرفا “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” على طاولة حوار من دون أي شروط مسبقة أو تحفظات متبادلة بينهما فوق صفيح وقائع ساخنة نعرضها وفقاً للآتي:

– استمرار الشغور الرئاسي مع عدم قبول جبران باسيل حتى الآن بخيار سليمان فرنجية ومن دون اشتراط “حزب الله” لهذا الخيار أيضاً وفق روحية محاولة إقناع كل طرف للآخر، شغورٌ يتربص بالجمهورية والنظام السياسي بغض النظر عن رأي الفرقاء المسيحيين بهذا المرشح أو ذاك.

– شغور وشيك في موقع حاكمية المصرف المركزي نهاية الشهر الجاري مع تمسك جبران باسيل بقرار عدم السماح لحكومة تصريف الأعمال بتعيين بديل عن رياض سلامة، وهو ما يجاريه فيه “حزب الله” من دون الالتفات إلى خطورة استمرار هذا الشغور على صعيد الحجم المسيحي في السلطة ناهيك عن التداعيات المالية المتوقعة.

– اقتراب موعد شغور قيادة الجيش مطلع العام المقبل في ظل غياب تام للحلول السياسية، وما يسعى جبران باسيل الى الوصول إليه هو خروج جوزيف عون من اليرزة وتالياً مغادرته ميدان المرشح التسووي الطبيعي لرئاسة الجمهورية، ويجاريه في ذلك أيضاً “حزب الله” من دون الاكتراث للمخاطر المحدقة بالواقع الأمني على أثر شغور موقع رئيس الأركان الذي تنتقل إليه قيادة الجيش وكالةً في حال شغورها.

لا شك في أن “حزب الله” يستشعر خطورة انطلاق مراكب التسويات السياسية والعسكرية في بحر الاقليم المتجهة أمواجه إلى الهدوء عقب اتفاق بكين بين السعوديين والإيرانيين والانفتاح العربي على سوريا، وهو ما دفعه إلى الاستعراض العسكري الاعلامي المستغرب في التوقيت والحدث والذي أجراه إحياءً لذكرى التحرير وقبل ذلك مسيرات “كاريش” المتنقلة بالاضافة إلى خيمة الغجر المشتعلة اليوم، من هنا ارتأى ضرورة إنعاش تفاهم مار مخايل بهدف الحفاظ على حليف مسيحي إلى جانبه في ظل توترات طائفيّة متنقلة وضغوط دولية وإقليمية متزايدة، في مقابل إدراك جبران باسيل حقيقة أنه كيان سياسي يغرّد وحيداً خارج السرب اللبناني فلم يجد ضالته في صفوف المعارضة التي تقاطع معها حول المرشح الرئاسي جهاد أزعور، ولن يتمكن من الاستمرار بلا حليف يشد عضده في زمن المتغيرات السياسية والعسكرية في المنطقة، ولا شك في هذا السياق أن الطرفين قد تلقيا نصيحةً سوريةً بحتمية العودة إلى رشدهما التفاهمي التحالفي.

يبدو واضحاً أن جبران باسيل وباسم المسيحيين يخوض معركة تقويم وضعيته السياسية متربصاً بلحظة إعلان نفسه مرشحاً رئاسياً محقاً ولو أدى ذلك إلى إسقاط الدور المسيحي في الجمهورية اللبنانية، ولا بأس في ذلك بالنسبة الى الحزب طالما أن ولاءه خارج الحدود، فهل سيتمكن المسيحيون من مقاومة مؤامرة الحزب – باسيل؟

شارك المقال