العقوبات… ضغط معنوي أم سيف قاطع؟

هيام طوق
هيام طوق

اتّجهت الأنظار أول من أمس الى اجتماع اللجنة الخماسية في الدوحة وما يمكن أن ينتج عنه في الاستحقاق الرئاسي، إذ جاء البيان الختامي ليضع النقاط على الحروف، ويوضح المسار الرئاسي في المرحلة المقبلة الا أن القراءات تعددت حول مضمونه بحيث هناك من اعتبره تصعيداً ونعياً للمبادرة الفرنسية التي يقودها الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، وأنه تحدث بالعموميات وعدم التوافق على رؤية محددة لتسوية سياسية ضمن سلة كاملة للحل أي انتخاب رئيس للجمهورية ورئيس حكومة وحكومة والاتفاق على أسماء للمناصب العليا لا سيما حاكم مصرف لبنان وقائد الجيش. في حين رأى آخرون أن البيان يؤشر الى أن الدول المجتمعة أي فرنسا وقطر والسعودية والولايات المتحدة الأميركية ومصر، وضعت القضية اللبنانية في موضع متقدم في جدول الاهتمام، وفرمل عنان التكهنات حول خيار رئاسي جديد كما شكل مظلة أو بوصلة لمهمة لودريان الذي من المنتظر أن يزور لبنان أواخر الشهر الجاري، وأن ما كان لافتاً عدم تضمين البيان أي تبنٍ أو ذكر للحوار بين الفرقاء اللبنانيين بما أوحى أن المجموعة لا تشجع على التوجه نحو طرح حوار داخلي بل التشدد في التزام مجلس النواب الدستور وانتخاب الرئيس.

وفيما وضع البيان أعضاء البرلمان اللبناني أمام مسؤوليتهم الدستورية في الشروع نحو انتخاب رئيس للبلاد، وأن الدول على استعداد للعمل مع لبنان لدعم تنفيذ الاجراءات الاصلاحية، فإن ما يجدر التوقف عنده هو البند المتعلق بالعقوبات على المعرقلين، اذ لفت الى “أننا ناقشنا خيارات محددة في ما يتعلق باتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين يعرقلون إحراز تقدم في الاستحقاق الرئاسي”، ما يتلاقى مع قرار صدر في الاجتماع الثلاثي الذي عقد في نيويورك (الرياض وباريس وواشنطن)، ومع أحد البنود الواردة في قرار البرلمان الأوروبي الذي صدر منذ أيام، واتهم “حزب الله” وحركة “أمل” وحلفاءهما، باتباعِ سياسةِ خلقِ البلبلةِ، وتعطيلِ الانتخاباتِ الرئاسية، بغيةَ تحقيقِ مصالحِهم واختيارِ رئيسٍ تابعٍ لهم، وشدد على ضرورةِ إخضاعِهم للعقوباتِ لثنيِهم عن تلك الممارسات.

إذاً، التلويح بالعقوبات ليس جديداً على المسؤولين اللبنانيين، لكن الى اليوم لم تتخذ سبيل التنفيذ حتى أن الكثيرين يعتبرونها ضغطاً معنوياً ليس أكثر، وبالتالي لا قيمة فعلية لها. لكن، هل يمكن أن تتخذ الدول الخمس الاجراءات التطبيقية ضد معرقلي انتخاب الرئيس؟ وما هو المسار الذي تتخذه مثل هذه الاجراءات؟ وهل يحق لدولة أو دول أن تضع عقوبات على أشخاص أو مسؤولين في دول أخرى؟ ومن هم المقصودون بالعرقلة؟

رأى الوزير السابق ابراهيم نجار في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “الحديث عن اجراءات أو عقوبات لا يتخطى الى اليوم القيمة المعنوية بهدف الضغط. وأعتقد أن ذلك لن يكون له أي مفعول على أرض الواقع”، موضحاً أن “العقوبات تختلف بين فرنسا وأميركا والدول العربية بحيث أن الأخيرة لا يمكنها فرض عقوبات بحق مسؤولين أو شخصيات حتى الاتحاد الأوروبي لا يمكنه ذلك، أما فرنسا، فيمكنها تجميد حساب الشخص المعاقب لا أكثر ولا أقل أو أنها تمنعه من الدخول الى أراضيها. لكن لا يجوز أن ننسى أن كل ذلك، يجري في خضم عملية كباش كبيرة في المنطقة بين أميركا وايران. وبالتالي، القضية اللبنانية تعرّبت وتدوّلت”.

وقال: “لو أردت أن أكون متهوّراً في تحليلي لكنت قلت ان حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، هم المعنيون بعرقلة الانتخابات، وأستخدم عبارة المتهور لأنني لم أعد أصدق أي طرف”. واعتبر أن “سيف العقوبات الذي من المفترض أن يكون قاطعاً، يبدو أنه ليّن الى اليوم”.

وفي الاطار الشامل لبيان اللجنة الخماسية، لفت نجار الى أن “فرنسا لم تعد مفوّضة ايجاد الحل للقضية اللبنانية، أو أن تقترح الحلول على أميركا التي فقدت الأمل، وما يمكن أن تقوم به فرنسا كمحاولة أخيرة، هو استدعاء سفيرتها في لبنان لمقابلة الرئيس إيمانويل ماكرون كي يتدارسا في الحلول غير تلك التي يقترحها لودريان. لذلك، خلال الأيام القليلة المقبلة، أو الأسبوع المقبل، سنرى خطوات في هذا الاتجاه، وستتبلور الصورة أكثر. فرنسا لم تربح أوراقها، وستحاول ايجاد الحل لاقتراحه على أميركا”.

من الناحية القانونية، أوضح الخبير الدستوري سعيد مالك في تصريح لـ”لبنان الكبير” أن “التلويح بالاجراءات التي تعني العقوبات لم يصدر للمرة الأولى انما سبق أن صدر في الاجتماع الثلاثي الذي عقد في نيويورك (الرياض وباريس وواشنطن)، لكن اليوم هناك جدية أكبر في التعاطي مع الملف الرئاسي، وبالتالي، جدية في إمكان فرض عقوبات على المعرقلين. هذه العقوبات يمكن أن تحصل بشكل تقييد حركة الأموال أو منع سفر من أجل الضغط في اتجاه انجاز الاستحقاق. والى اليوم، تبقى هذه العقوبات في اطار التهويل والتلويح، ولم تصل الى حد الجدية المطلوبة، ولا يمكن إصدار مذكرات توقيف أو اعتقال. ولو سلمنا جدلاً أن العقوبات جدية، واتخذت المنحى التنفيذي، فيعود للدولة أن تقرر شكل العقوبة مثل منع الدخول الى أراضيها أو تقييد الحركة المالية والمصرفية”.

وإذا كانت العقوبات مخففة من الناحية القانونية، ولا تؤثر على المسار السياسي للشخصية المعاقبة، فإنها على المستوى السياسي، تبقى اجراءات تهويلية معنوية بحسب النائب عماد الحوت الذي اعتبر أن “التهويل تكرر أكثر من مرة، لكنه لم يكن منتجاً، ولم يترجم على الأرض. واجب القوى السياسية أن تلبنن الاستحقاق الرئاسي، وتذهب سريعاً الى البرلمان للانتخاب، وعدم انتظار المؤشرات الخارجية”، معرباً عن اعتقاده أن “بند العقوبات ورد في البيان كنوع من حفظ ماء وجه المجتمعين لأنهم عاجزون عن ايجاد حل جذري، وفي نهاية الأمر من سينتخب هم النواب”. وأشار الى أن “المقصود بمعرقلي الانتخاب، الجهات التي تعطل النصاب خلال جلسات انتخاب الرئيس، وتمنع عقد دورة انتخابية ثانية وثالثة. التعطيل الوحيد لانتخاب الرئيس هو تعطيل النصاب”.

وأكد أن “العقوبات من حجز للأموال أو غيرها تتطلب المبرر القانوني، والأمر ليس بهذه البساطة. وفي حال صدرت العقوبات بحق أحدهم، وسبق أن صدرت بحق النائب جبران باسيل من الولايات المتحدة الأميركية، تستمر الحياة والممارسات السياسية على حالها. أعتقد أن هذا النوع من العقوبات يمكن أن يشكل عبئاً معنوياً على الأشخاص المعنيين، لكن نحن في حاجة الى عبء الضمير وليس الى عبء العقوبات”، مشدداً على أن “الخارج يعمل وفق أجندة مصالحه في الدرجة الأولى، واذا تطابقت المصلحتان، نستفيد، وفي حال تعارضتا، فنحن على هامش القرارات الدولية”.

شارك المقال