إسرائيل ليست جزءاً من الولايات المتحدة!

زاهر أبو حمدة

يمكن تصنيف تصريح وزير الأمن القومي الاسرائيلي إيتمار بن غفير، أن “إسرائيل ليست جزءاً من الولايات المتحدة” بأنه أقوى تحدٍ من مسؤول إسرائيلي ضد البيت الأبيض. هنا “مربط الفرس” لفهم العلاقات الاسرائيلية – الأميركية منذ اعتراف الولايات المتحدة بإسرائيل كدولة مستقلة في 14 أيار 1948، كأول دولة تفعل ذلك. حينها أصدر الرئيس الأميركي هاري ترومان بيان الاعتراف وأصبحت اسرائيل، ولا تزال، أهم حليف لواشنطن في العالم. فعلى الرغم من بعض التوتر أو الاختلاف في وجهات النظر، إلا أن النظرة الأميركية تجاه إسرائيل لا تتغير والعكس صحيح. فهي علاقة “أخ أكبر” مع “أخ أصغر”، لا بل يمكن اعتبار إسرائيل الولاية الـ51 الأميركية.

يتضح ذلك، بكمية المساعدات الأميركية لدولة الاحتلال. فمنذ الحرب العالمية الثانية قدمت الولايات المتحدة أكثر من 150 مليار دولار وفقاً لموقع الكونغرس الالكتروني. أما وزارة الخارجية الأميركية، وفي موقعها الرسمي، فتؤكد أن التزام الولايات المتحدة الدائم بأمن إسرائيل عبر مساعدات أمنية قوية لها، بما في ذلك مذكرة التفاهم بقيمة 38 مليار دولار لعشرة أعوام الموقعة في العام 2016. وتوفر الولايات المتحدة بموجب مذكرة التفاهم هذه 3,3 مليارات دولار سنوياً من التمويل العسكري الأجنبي، بالاضافة إلى 500 مليون دولار إضافي من التمويل الدفاعي الصاروخي لدعم برامج الدفاع الصاروخية التعاونية، بما في ذلك مقلاع داود والقبة الحديدية وأنظمة “آرو” و”آرو 2″ و”آرو 3″. وقدمت الولايات المتحدة مليار دولار من التمويل الاضافي في العام 2022 لتجديد مخزون إسرائيل من الصواريخ الاعتراضية، للقبة الحديدية.

أما في العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الولايات المتحدة وإسرائيل فهي ترتكز على تجارة ثنائية سنوية تصل إلى حوالي 50 مليار دولار من السلع والخدمات. ويرسخ عدد كبير من المعاهدات والاتفاقيات، بما في ذلك اتفاقية التجارة الحرة الأميركية – الاسرائيلية للعام 1985، العلاقات الاقتصادية الثنائية، وأصبحت الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري لاسرائيل منذ توقيع اتفاقية التجارة الحرة.

امام هذه المعطيات في الأمن والاقتصاد إضافة الى الغطاء السياسي والديبلوماسي والقانوني، تظهر الولايات المتحدة كراعٍ رسمي لدولة الاحتلال. ومع ذلك يعترض بن غفير، إذا انتقد مسؤول أميركي التعديلات القضائية، أو الاستيطان في الضفة الغربية أو الاعتداءات المتكررة للمستوطنين على الفلسطينيين. وحين يتجرأ بن غفير، على هذه التصريحات فهذا يؤكد أن تجربته السياسية ضئيلة، ما اضطر الرئيس إسحاق هرتسوغ ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو الى ترميم العلاقات وإدارة الخلافات، وهذا ما يؤكده الأخير أن “العلاقات الأميركية – الاسرائيلية لا يمكن كسرها”.

صحيح أنها ليست المرة الأولى التي ينتقد فيها بن غفير الولايات المتحدة، اذ انتقد في وقت سابق تصريحات للرئيس الأميركي جو بايدن وصف فيها الحكومة الإسرائيلية الحالية بأنها “الأكثر تطرفاً” في إسرائيل. كما قال بايدن إن آراء بعض أعضاء حكومة بنيامين نتنياهو، بشأن الاستيطان في الضفة الغربية تمثل جزءاً من المشكلة. لكن ليست المشكلة في بن غفير وجماعته المتطرفة، إنما في آلية التعامل بين إسرائيل والولايات المتحدة. فهل صحيح أن واشنطن لا تستطيع فرض ما تراه مناسباً؟ بالفعل يمكنها ذلك، وهذا حصل في أكثر من مرحلة مفصلية، مثل توقيع الاتفاق النووي مع إيران، لكن في المحصلة تسمح لإسرائيل بهامش تصرف، وفي النهاية الكلمة في البيت الأبيض. وما يحصل في إسرائيل حالياً، جزء من عملية الاحتواء ومنع أي محاولات تمرد لطرف إسرائيلي. وهذا ما تشير اليه نخب إسرائيلية بأن التظاهرات ضد حكومة نتنياهو جراء التعديلات القضائية تقف وراءها جهة في الادارة الأميركية الديموقراطية. وهذا يعتبر مثل “هزة عصا” لحكومة نتنياهو من دون التأثير على “السيستم الإسرائيلي”، لكن في المحصلة لن تسمح الولايات المتحدة بتراجع مكانة إسرائيل، فهي في النهاية قاعدة متقدمة لها وهذا ما أشار اليه ارئيل شارون، في أكثر من مناسبة.

شارك المقال