“السنّة تنازلوا للدولة”… ما رسائل المفتي للشركاء؟

هيام طوق
هيام طوق

تجمع القوى السياسية على أن البلد يمر بأسوأ أزماته السياسية والاقتصادية حتى أن كثيرين يعتبرون أنه في حال استمرار الشغور والفراغ على مستوى المؤسسات، فإن الكيان اللبناني مهدد بالزوال، لكن على الرغم من خطورة الوضع، فالكل متشبث بمواقفه، ومتمسك بطروحه، وما يجري على صعيد الاستحقاق الرئاسي منذ 9 أشهر خير دليل على أن كل طرف يقيم حسابات الربح والخسارة على حساب مصلحة البلد وأهله.

على أي حال، في ظل كل ما يعانيه اللبنانيون جراء الأزمات الناتجة عن الكيدية السياسية والنكاية ووضع المصالح الخاصة في سلم أولويات المسؤولين، أصبحت هناك قناعة في الداخل والخارج بأن الطبقة الحاكمة في لبنان عاجزة عن ايجاد الحلول ووضع البلد على المسار الصحيح حتى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعا في إحدى مقابلاته الصحافية إلى “إزاحة القادة السياسيين الذين يعرقلون الاصلاحات”. ووسط كل هذه المعمعة والفوضى، يطالب السياسيون من مختلف الانتماءات، بملاقاة بعضهم البعض الى منتصف الطريق، والتنازل تحقيقاً للمصلحة الوطنية، لكن يبقى ذلك في اطار المواقف الشعبوية من دون مفاعيل تطبيقية، وما يحصل في البرلمان خلال جلسات انتخاب الرئيس، يكشف النوايا الحقيقية، والرسالة التي أراد مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان إيصالها خلال حفل تكريمه بدعوة من عضو المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى عبد الله شاهين، تصب في هذا السياق، اذ أكد أن “المساعدة الخارجية العربية والصديقة تساعد، لكن الحل لدينا في المجلس النيابي”، مناشداً “القوى السياسية التنازل عن مصالحها الذاتية لمصلحة لبنان الوطن ومؤسساته الدستورية، ولا يمكن أن يكون الحل إلا بالتنازل المتبادل بين الجميع”.

اللقاء الذي حضره ممثلون عن الرئيسين نجيب ميقاتي وسعد الحريري ووزراء ونواب حاليون وسابقون وممثلو الطائفة السنية من المناطق كافة، كان بمثابة حفل لم الشمل، اذ ألقى مفتي الجمهورية كلمة ذات طابع سياسي بامتياز شدد فيها على الثوابت التي انطلقت من دار الفتوى بعد لقاء النواب المسلمين. وأراد إيصال رسالة واضحة مفادها أن ليس للمسلمين السنّة في لبنان أي مشروع خارج اطار الدولة اللبنانية. كما أراد توجيه رسالة الى المجلس النيابي بأن الحل بيد النواب الذين عليهم أن يختاروا الرئيس الأفضل للبنان، وحمّلهم مسؤولية أمانة ثقة الناس بهم خصوصاً أنه يلمس أن الناس في مكان والقوى السياسية في مكان آخر.

إذاً، رجال الدين والمخلصون يدعون الى التنازل لصالح البلد، لكن تبقى العبرة في التنفيذ وفي إيجاد الآذان الصاغية من الطبقة الحاكمة، وبحسب رئيس “المركز الاسلامي للدراسات والاعلام” القاضي الشيخ خلدون عريمط، فإن “من لديه السلاح، عليه أن يتنازل عنه للدولة، ومن لديه النفوذ أن يتنازل عنه للدولة، ومن لديه قضاء خاص به أو مشاريع خاصة به أن يتنازل للدولة ومؤسساتها، ونحن السنّة كان شعارنا ولا يزال وسيبقى الدولة ثم الدولة ثم الدولة”.

لكن ما هي الرسائل التي أراد المفتي دريان ايصالها الى المسؤولين في لبنان والى السنّة لا سيما أنه خلال يومين، وفي مناسبتين، كرر دعوته الجميع الى التنازل لِمَصلحَةِ الوَطنِ؟ وماذا تعني الدعوة الى التنازل؟ وهل لدى كل الاطراف إمتيازات ليتنازلوا عنها؟ وهل كل الذين يطالبون بتحقيق المصلحة العليا صادقين أو يتفقون حول مفهومها؟

عريمط أكد لموقع “لبنان الكبير” أن “لا شيء لدينا نتنازل عنه انما المطلوب من الذين لديهم امتيازات فوق الدولة أن يتنازلوا للدولة، والكثير من الفرقاء ليست لديهم امتيازات فوق الدولة. نحن مشروعنا الدولة وعلى الفئات الأخرى التي تتمتع بالامتيازات فوق سلطة الدولة أن تتنازل لا لهذه الطائفة أو تلك انما لمصلحة لبنان، وهذه الرسالة موجهة الى معرقلي إنتخاب الرئيس الذي يجب أن يكون همه الأساس لبنان”.

وقال: “نحن رهاننا على قيام الدولة، ومن لديه مشروع خارج اطار الدولة عليه التنازل عن مشروعه لمصلحة الدولة اللبنانية القوية العادلة. السنّة ليست لديهم امتيازات انما هناك فئات لديها دورة اقتصادية ولديها ميليشياتها ومربعاتها الأمنية. نحن كل ما لدينا تنازلنا عنه للدولة، ونرفض أي انتقاص من حقوقنا كما نرفض أي انتقاص من حقوق أي فئة أخرى”. وشدد على أن “المطلوب المساواة أمام القانون. هناك فئات لبنانية لديها مشاريعها الخاصة، ومربعاتها الخاصة، ولديها السلاح. المطلوب التنازل عن كل هذه الامتيازات، ولا يمكن الحل من دون ذلك لأنه لا يمكن لأي فئة أن تبني لبنان على مقاس مصالحها مهما تمتعت بالقوة والدعم الاقليمي والدولي”، متسائلاً “كيف يكون لبنان رسالة العيش المشترك في وقت يكون طرف مسلّح وآخر مشلّح؟ رسالة العيش المشترك أن نكون متساوين أمام القانون جميعاً لأن في لبنان اليوم، القانون يطبق على الضعفاء، والأقوياء فوق القانون”.

وأشار الى أن “المفتي دريان يؤكد للسنّة في لبنان أنهم الرقم الصعب في المعادلة اللبنانية لأنهم أصحاب مشروع الدولة، وليست لدينا ميليشيات أو علاقات اقليمية أو امتدادات أو منخرطين في مشاريع اقليمية أو دولية. نحن ارتضينا أن يكون لبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه. على كل الفئات التنازل عن مصالح طوائفها ومذاهبها لمصلحة لبنان السيد الحر العربي المستقل القوي، والاقتناع بثقافة المواطنة”.

أضاف عريمط: “لا شك في أن المفتي له مكانة كبيرة جداً لدى اللبنانيين عموماً والسنّة خصوصاً ولدى النواب السنّة، وأكد ذلك لقاء النواب، وهم يشاركون المفتي في توجهه الوطني، وهم كما السنّة من أكثر الفئات اللبنانية تمسكاً بالدولة ومؤسساتها، ولا يسعون سوى الى تطبيق الطائف بكل بنوده بما فيها اللامركزية الادارية وإنشاء مجلس الشيوخ والقيام بالاصلاحات التي دعا اليها اتفاق الطائف لأنه الخطوة الأولى نحو بناء الدولة الوطنية وليس الطائفية أو المذهبية”.

أما النائب وليد البعريني الذي حضر اللقاء، فاعتبر أن “اللبنانيين اذا لم يتحاوروا ويتنازلوا لمصلحة البلد، نعود الى المربع الأول. المفتي أراد توجيه الرسالة الى كل المعنيين والى النواب الذين يجب أن يلعبوا دورهم في البرلمان، لكن لا بد من أن لدى بعض القوى مصالحها الخاصة في حين نحن بأمس الحاجة الى أن نعمل من أجل المصلحة الوطنية فقط”. ودعا كل الأطراف الى “التنازل عن مواقفهم، والتوافق على اسم لانتخابه رئيساً للجمهورية”، متمنياً “أن يحصل التنازل بصورة هادئة وسلسة لمصلحة البلد وأهله وليس لمصلحة فئة دون أخرى”.

ولفت الى “أننا كطائفة سنيّة، نسعى الى لعب دور ايجابي، وأن نكون في الموقع الوسطي المعتدل بعيداً عن الانقسام العمودي الذي نراه اليوم، ونحاول تقريب وجهات النظر بين الجميع. وما طالبنا به من اليوم الأول حول ضرورة التفاهم، يجري الحديث عنه اليوم وصولاً الى ملء الشغور”.

شارك المقال