قصص الشياح “دمية للقناص” و”حرب بسيجارة”… قلعة الصدر تشكو القمار

محمد شمس الدين

غنّى لها خالد الهبر، وكتب عنها مظفر النواب، معقل لحركات المقاومة الوطنية، سكنها كبار العلماء، وأعتى المقاتلين في وجه العدو الاسرائيلي، وكانت ركناً أساسياً لحركة الامام السيد موسى الصدر، لدرجة أنها سُميت قلعته التي لن تنزاح… الشياح، التي يعتبرها أهلها عاصمة الضاحية الجنوبية، بل هي فعلا كذلك، فهي تسبق بئر العبد وحارة حريك ومعوض وحي ماضي، وبقية مناطق الضاحية بأكثر من قرن من الزمن، ولم تكن رمزاً للنضال وحسب، فان بعض أشهر الفنانين كانوا من سكانها، ومنهم راغب علامة وهيفاء وهبي، ولطالما تميزت الشياح عن الضاحية من عدة نواح، أهمها الاختلاف في درجة التشدد للمجتمع المحافظ.

اشتباك مسلح حصل في الشياح منذ بضعة أيام روّع أهالي المنطقة، ووفق ما يقول أبناؤها فانه بسبب محل قمار ضيّع الشباب القاصرين. ولكي نتمكن من تفكيك ما حصل يجب أن يكون هناك بعض القراءة للتاريخ والواقع. للشياح تاريخ كبير من النضال، إن كان بفرض الوجود بالقوة أمام تنظيمات اليسار والقوى الفسلطينية، أو حتى أمام اجتياح اسرائيل، التي فضلت عدم دخول الشياح بعد احتلالها الضاحية لكثرة المقاومة فيها، أو حتى في وجه القوة الكتائبية في ذلك الوقت والمعارك الشهيرة بين عين الرمانة والشياح. وفي نهاية المطاف كانت القوة المسيطرة عموماً في الشياح هي حركة “أمل”، تحديداً بعد انتفاضة 6 شباط، واستلام الحركة زمام القيادة الشيعية، علماً أن الأمر اليوم مختلف قليلاً، بحيث أن النفوذ يتقاسمه الثنائي “أمل” و”حزب الله”، على الرغم من أن الشياح هي الوحيدة من بين مناطق الضاحية التي لم تسقط أيام حرب الأخوة، والتي يفضل الطرفان أن يتبعا قول “لا تنذكر ولا تنعاد”.

ويروي أهالي الشياح محطات مجد وطرافة حصلت في تاريخ المنطقة، مثل الدمية التي كان يلهون بها مع القناص، وكانت معلقة بحبال بين عدة أبنية في أحد شوارع الشياح الذي يطل آخره على عين الرمانة حيث كان “يلطي” القناص، والشباب يحركونها ليلهوا بها معه، أو إذا كان أحد أبناء الحي يريد المرور فيحركونها ليحرفوا أنظار القناص. وبالطبع لم تكن جبهات الشياح تخلو من الطرافة، فيتحدثون عن ابن المنطقة الذي أشعل الجبهة بعد هدنة بسبب سيجارة، أشعلها لأنه أراد التدخين ليلاً، الأمر الذي ظنه الطرف الآخر إطلاق نار ما أشعل الجبهة وبدأت الاشتباكات. وطبعاً لا تخلو الشياح من مجد النضال والأبطال، ولعل أحدثهم المفتش في الأمن العام عبد الكريم حدرج، الذي ضحى بنفسه ليوقف ارهابياً كان يحاول استهداف المنطقة، فافتداها بنفسه دفاعاً عن أهله وناسه، واستطاع أن يمنع عملاً ارهابياً كان ليودي بحياة العشرات، عدا عن أسود المنطقة الذين حاربوا وحافظوا على المنطقة وكان لهم دور كبير في انتفاضة 6 شباط أو أي من المحطات التي حصلت إبان فترة الحرب. قادة شيعة لبنان الكبار جميعاً مروا في الشياح، من موسى الصدر إلى عباس الموسوي وحسن نصر الله، وعباس الحلباوي ومصطفى شمران وعماد مغنية، إلى العلماء مثل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، والسيد محمد حسين فضل الله الذي تعرض لمحاولة اغتيال أثناء توجهه إلى حسينية الشياح والسيد حسن الشيرازي.

أسماء عديدة خلدها تاريخ الشياح، البعض لا يزال حياً، والبعض الآخر ارتقى شهيداً، وغيرهم توفاهم الله، وآخرهم كان الحاج نمر الخليل، الذي كان يعرفه كل أبناء المنطقة، ويعرفون صلابته وحسن تعامله، وللمفارقة هو والد علي نمر (المعروف بعلي الله) الصراف الشهير، والذي كان الاشكال الأخير معه، وبغض النظر عن النوايا أو حسن الظن أو سوئه، فإن ما حدث في الشياح منذ أقل من أسبوع غير مقبول، فلا يمكن لأحد أن يحل مكان الدولة، مهما كانت النوايا صافية، وهذا ما تشدد عليه أحزاب المنطقة، ولكن وفق ما يقول مقربون من آل دمشقية، الذين هاجموا محل القمار، أن أهالي الشياح قدموا مئات الشكاوى إلى الدولة ولا أحد يتصرف، لذلك أخذوا على عاتقهم أن يحلوا الأمر بيدهم. ويؤكد هؤلاء أن محال القمار وغيرها من الآفات التي تنتشر في الشياح محمية من أمنيين، فيما أحزاب المنطقة أكدت مراراً وتكراراً أنها لا تغطي أياً منهم.

من الجهة الأخرى، عندما تسأل القوى الأمنية عن الأمر تقول انها لا تستطيع التصرف لأن هؤلاء يحظون بغطاء سياسي. ولذلك، صدر بيان رسمي من الهيئة التنفيذية لحركة “أمل” تبرأ فيه من كل المشاركين في الإشكال الأخير، مؤكداً أن أياً منهم لا يحظى بتغطية من الحركة. فيما سخر أحد سكان المنطقة من كلام رئيس بلدية الغبيري، التي تقع الشياح ضمن نفوذها، قائلاً بعد أن قرأ تغريدته عن الأحداث: “فليحاول أحد ما بيع كحول في محل في الشياح، تجد عناصر البلدية هبوا هبة واحدة، لإغلاق المحل وتكسيره، بينما هؤلاء العناصر أنفسهم يمرون يومياً أمام محال القمار ولا يقدمون على فعل أي شيء، بل ان بعضهم يذهب الى المقامره فيها”.

أضاف: “عمل البلدية تشوبه استنسابية مخيفة في تقدير الأمور، فقد ترى مقهيين الى جانب بعضهما، الاثنان مخالفان إن كان بالتعدي على ملك عام أو عبر عدم الحصول على رخص إنشاء خيمة مثلاً، تداهم البلدية مقهى وتترك الآخر، ولذلك لا يثق أهالي المنطقة لا بالبلدية ولا بعناصرها، بل نحن لا نثق بالدولة ككل، فهي دوماً كانت متواطئة ضدنا، وأحداث مار مخايل وسقوط 7 شهداء بسبب اعتصامهم السلمي على قطع الكهرباء هوأكبر دليل على ذلك، لذا، تجد أن بعض الأهالي يحاول حل الآفات والمشكلات بيديه، علماً أنني لا أوافق على الطريقة التي تمت معالجة بها الموضوع، بحيث كان يمكن أن يكون بطريقة لا تعرض الأهالي للخطر بالاشتباكات المسلحة”.

لا حل إلا بالدولة، هذا ما تؤكده قيادتا حركة “أمل” و”حزب الله” دوماً، ويؤكد قياديون من الشياح في جو الثنائي “ليس صحيحاً أنه لا يمكن للدولة دخول الشياح، فهي لطالما اعتقلت واقتحمت وداهمت، ولذلك من المستغرب أن تحاول قوى أمنية أو سياسية الإيحاء بغير ذلك، وهناك استنسابية واضحة من القوى الأمنية بالتعامل مع المرتكبين في الشياح، حيث يعاقب بعضهم، بينما لا يقرب أحد من البعض الآخر”.

بين رواية الأحزاب ورواية الأمن تضيع الطاسة، ولا نعرف من الملام في التفلت الذي يحصل، حتى أن أهالي المنطقة لا يعرفون أين الحقيقة، إلا أنهم بالتأكيد يعانون من الآفات الضارة بأبنائهم في المنطقة، مثل محال القمار عبر الانترنت هذه، التي أصبحت فيروساً ينتشر في أحياء منطقتهم، ومناطق عديدة في الضاحية الجنوبية، يفترس الشباب القاصرون ويقضي على مستقبلهم، ويرى الأهالي أنه إذا لم تعالج هذه الآفة فالحادثة التي حصلت لن تكون الأخيرة.

شارك المقال