المياه الرئاسية بين التيار والحزب لم تعد الى مجاريها

هيام طوق
هيام طوق

يبدو أن غيمة الصيف التي خيّمت على العلاقة بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر”، إثر ترشيح الحزب رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، تزول شيئاً فشيئاً، إذ بعد اللقاء الذي جمع رئيس التيار النائب جبران باسيل بمسؤول وحدة التّنسيق والارتباط في ​الحزب وفيق صفا، عقد لقاء آخر بين مسؤولين من الطرفين تحت عنوان النزوح السوري، لكنه اكتسب رمزية أو دلالة سياسية أوسع.

وبما أن كل المؤشرات تدل على أنّ الشغور في قصر بعبدا سيطول، فإن الحزب والتيار قررا على ما يبدو ربط النزاع الرئاسي أو تنظيمه على الأقل، لابقائه تحت السيطرة، ومواصلة الحوار والنقاش على أمل أن يصل الطرفان الى تقاطع رئاسي خصوصاً أن النائب جبران باسيل يحاول جس النبض حيال امكان التوصل الى اتفاق شامل رئاسي وحكومي بالاضافة الى مسألة التعيينات. وفي حال جرت الأمور على ما يرام، ينتعش اتفاق مار مخايل من جديد أما إذا لم يتخلّ الحزب عن فرنجية، ويلاقي باسيل في طروحه، فربما يعود التيار الى خياره المتقاطع مع المعارضة أي الوزير السابق جهاد أزعور.

وفي فترة جس النبض التي يضيء فيها الطرفان على النقاط التي تجمعهما، بدا جلياً تبدل خطاب التيار الرئاسي، اذ بعد أن كان يشيد بالتقاطع مع المعارضة على اسم أزعور، انتقل الى انتقاده وابراز مساوئه لأنه “لن ينتج رئيساً”، إلا أن مصدراً نيابياً من المعارضة على تواصل دائم مع نواب من “التيار الوطني الحر” أكد في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن النواب يؤكدون أنهم لا يزالون على مواقفهم بالنسبة الى رئاسة الجمهورية، وهم متمسكون بترشيح أزعور، ولن يتخلوا عنه، ونحن لا نريد الدخول في عملية تشكيك، وصدقية الكلام تعود اليهم. واذا كان التيار يريد أن يعيد التحالف مع الحزب وفق تسويات وصفقات وتحاصص على السلطة، فسيظلم نفسه والبلد في آن، لكن الى اليوم التقاطع لا يزال مستمراً على الرغم من فتح باب الحوار مع الحزب الا اذا كان الكلام في اللقاءات شيء وفي الغرف المغلقة شيء آخر.

إذاً، التيار يطمئن المعارضة الى أنه لن يتخلى عن تقاطعه الرئاسي معها في ظل الحديث عن سعي باسيل للوصول إلى الاتفاق على عناوين المرحلة المقبلة مع “حزب الله” قبل اجتماعه مع أمينه العام السيد حسن نصر الله، وطرح أفكاره وخياراته الرئاسية، حتى أن مصدراً من التيار لم يستبعد نجاح باسيل في إقناع الحزب بالتخلي عن مرشحه، والذهاب نحو اسم آخر يرضي الطرفين في حين أن مصدراً مستقلاً، اعتبر ذلك مستحيلاً، ومن هو العاقل الذي يعتقد أن باسيل يمكنه أن يحصل على هذه التنازلات من الحزب؟

لكن، ماذا يجري في اللقاءات بين الحليفين السابقين، وهل فعلاً بدأت المياه تعود الى مجاريها؟ مصدر مقرب من الحزب أكد في تصريح لموقع “لبنان الكبير” أن ما يحصل حالياً لم يتخطّ بعد مبدأ اعادة الحوار وتفعيله لكسر حالة الجمود التي كانت قائمة لضبط جمهور الطرفين على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن الأمور تنتقل من حالة باردة وجافة الى حالة أفضل، ويتم التشاور في الكثير من الملفات ومنها مسألة النزوح الا أن موضوع الرئاسة لا يزال موضوعاً خلافياً بين الطرفين مع التأكيد أنه لم يطرح حتى هذه اللحظة لا من التيار ولا من الحزب، لكن يبقى الهدف الأول الى اليوم، اعادة تفعيل قنوات الحوار والتنسيق في العديد من الملفات.

والسؤال هنا: هل يذهب هذا الحوار الى أبعد من هذه الملفات؟ أجاب المصدر: “لا يبدو ذلك، لكن الأمور قابلة لأن تتطور في أي لحظة من اللحظات مع التأكيد أن ليست هناك لقاءات فاعلة أو مهمة غير معلنة أو سرية. الكل ينتظر حصول تطورات إقليمية أو دولية أو ربما الاتفاق بين الطرفين على أمر ما لتغيير المناخ السائد بينهما. ليس هناك أي تطور مهم أو جوهري في العلاقة بين الطرفين لأن باسيل لا يزال معترضاً على المرشح فرنجية وإن كان خفف من التصعيد أو الحديث عن الموضوع، لكن هل هذا يؤشر الى أمر ما أو أنه ينتظر شيئاً ما بمعنى أن يظهر جلياً على الصعيد الدولي تعذر ايصال فرنجية الى سدة الرئاسة؟ لا أحد يعلم بالنوايا. اما الحزب، فهو الى اليوم غير متخلّ عن ترشيح فرنجية، لكنه في الوقت نفسه لا يرى أن طريقه معبدة الى القصر الجمهوري، الا أنه لا يحب أن يكون من الذين يرشّحون ثم يتراجعون أو يساومون”.

أما في ما يتعلق بالتسوية الكاملة التي يريد باسيل طرحها، اذ يتردد أنه طالب بلائحة مطالب قبل أن يدرج اسم فرنجية على لائحة مرشحيه، ومنها أن تحصر به تسمية قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، ورئيس الصندوق السيادي وأن يكون له حق الفيتو في التعيينات الادارية للمراكز المسيحية، فأكد المصدر أن التسوية بعيدة جداً حالياً، خصوصاً أن الحزب لا يحبذ أن يكون المبادر الى اعلان موت صيغة معينة أو طرح معين أو الوصول الى طريق مسدود، وبالتالي، لن يتخلى عن ترشيحه لفرنجية، وفي المقابل لن يمارس الضغط على باسيل للقبول به.

وبعيداً من التحليلات والقراءات في الاعلام، أوضح أحد المقربين من “حزب الله” ومن “التيار الوطني الحر” أن “الحوار يتخذ صفة تنظيم الخلاف ما يعني أن كل طرف يتعاطى مع الطرف الآخر انطلاقاً من موقفه الرئاسي المعروف، وهناك محاولة للبناء على القواسم المشتركة، وعدم هدم العلاقة نهائياً ربما الى أن يقنع طرف من الطرفين بوجهة نظره أو البقاء على المواقف نفسها. كل الخيارات واردة وستطرح على طاولة النقاش، لكن حتى الآن الحزب لا يزال يدعم فرنجية، وهو منفتح على الحوار بلا شروط”، كاشفاً عن “امكان أن يكون هناك لقاء بين الرئيس السابق ميشال عون وباسيل مع السيد نصر الله مع التأكيد أن الأمور لم تصل حالياً الى مرحلة النقاش حول السلطة التي يمكن أن تتألف في المرحلة المقبلة”. وأشار الى أن “الشغور سيطول الى حين حصول وقائع تفرض نفسها على الجميع، وبتدخل دولي واقليمي، وبيان اللجنة الخماسية، جرى تلقفه بسلبية من الثنائي، وبالتالي، لا انتخاب للرئيس من دون هذا المكوّن. نحن أمام استعصاءات واستحالات لتمرير المرحلة، ولا عودة للمياه الى مجاريها بين التيار والحزب انما البناء على القواسم المشتركة لأن الخلاف لا يزال موجوداً”.

شارك المقال