تحت وطأة الفوضى… من يصرخ أولاً المعارضة أم الموالاة؟

هيام طوق
هيام طوق

يصل الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان الى بيروت اليوم الثلاثاء، استكمالاً لمساعيه في تقريب وجهات النظر بين اللبنانيين لانتخاب رئيس للجمهورية، وأشار بعض المتابعين الى أنه يحمل جديداً رئاسياً بالاستناد الى مجريات اجتماع اللجنة الخماسية في الدوحة، أي انه سيبحث مع المسؤولين الذين سيلتقي بهم مقررات اللجنة بمعنى أنه سيستخدم نبرة مغايرة لما سبقها، وسيضع الجميع أمام مسؤولياتهم، وتحمّل أعباء استهتارهم والمراوحة في الاستحقاق الرئاسي خصوصاً أنهم لا يقومون بأي مجهود يضاف الى المسعى الدولي والاقليمي لايجاد المخرج المناسب.

ووسط تمسك كل طرف بمرشحه، وتشبثه بمواقفه، فإن لعبة عضّ الأصابع الرئاسية تَمْضي نحو فصول أكثر اشتداداً حتى بات كثيرون على قناعة بأن هناك استحالة أن ينتخب اللبنانيون رئيساً للجمهورية في انتظار تسوية إقليمية – دولية، وكل ما يجري من حراك على هذا الصعيد ليس سوى تضييع للوقت، وأزمة الشغور مديدة، وبالتالي، زيارة لودريان الثانية لا تقدم ولا تؤخر لأن “الثنائي الشيعي” لم يكن راضياً عن مقررات اللجنة الخماسية، ولا يمكن انتخاب الرئيس من دون المكوّن الشيعي الذي كان يدعو الى الحوار حول الاستحقاق الرئاسي. لكن رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد لفت في مجلس عاشورائي الى “أننا الآن لن نقول لهم أي شيء، فحينما يريدون أن يحلوا مشكلة الاستحقاق الرئاسي نحن حاضرون ولا نقفل الباب، ومن الآن لن ندعوهم إلى حوار ولا إلى تفاهم، ولا يستقوي أحد بالأجنبي ضد مصلحة بلده”.

إنطلاقاً من هذا الواقع السياسي المأزوم، يضاف اليه حبْس أنفاس إقتصادي إزاء ما سيحصل في الأول من آب بعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وانفلات سعر الصرف وانهيار كل مقوّمات صمود اللبنانيين، فإن الفوضى الاجتماعية تلوح في الأفق القريب، وبالتالي، يصح السيناريو القائل ان انتخاب رئيس الجمهورية لن يأتي الا على أرض ساخنة وفق معادلة: اما أن تقبل المعارضة بخيار فرنجية أو ينسحب الأخير لصالح اسم آخر يشبهه أي يرضى عنه “الثنائي” خصوصاً “حزب الله” الذي لطالما أعلنها صراحة أنه يريد رئيساً لا يطعن المقاومة في ظهرها ولا يبيعها.

وبما أن الأمور بعد اجتماع اللجنة الخماسية في الدوحة، عادت لتعالج جماعياً من الدول الخمس، ولكن من دون حلول واقعية لديها وفق بيانها الختامي، فلا يمكن معاكسة “حزب الله” في خياره الرئاسي كما لا يمكن الوقوف في وجه المعارضة التي برهنت عن تماسك رافض لانتخاب فرنجية، فهل تحت وطأة ضغط الفوضى الاجتماعية ستخضع المعارضة لخيار “الثنائي الشيعي” والقبول بمرشحه إن كان فرنجية أو سواه؟ وهل هذا السيناريو الذي يسعى اليه “الثنائي” لفرض مرشحه؟ ومن سيقول “آخ” أولاً المعارضة أم الموالاة أو البلد المتجه نحو الانهيار في ظل الشغور المديد؟

أكد النائب قاسم هاشم في حديث لموقع “لبنان الكبير” أن “التهم في غير مكانها لأن الخوف من الفوضى مرده الواقع الاجتماعي المزري والأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي يحذر منها الجميع، اذ انها يمكن أن تؤدي الى انفجار إجتماعي قد يتطور الى فوضى إجتماعية تنبئ بأخطار كثيرة على مستوى الاستقرار لأن الاستقرار الأمني مرتبط بالاستقرار الاجتماعي، وأي اهتزاز يؤدي الى اهتزازات على كل المستويات. إذا حصلت الفوضى تكون بسبب الواقع العام المهترئ واستمرار الأزمة بكل جوانبها لأن الحلول تبدأ من السياسة، وعدم معالجة الأزمة السياسية من خلال التفاهم والتوافق حول مخرج للاستحقاق الرئاسي، سيجعلنا نذهب نحو مزيد من التأزم وزيادة مساحة التوتر”، مشدداً على أن “التّهم في غير محلها، ومردودة الى أصحابها لأن الثنائي هو أول من طرح موضوع الحوار للخروج من الأزمة، ومن سيتحمل مسؤولية ما ستؤول اليه الأمور هو الفريق الذي رفض الحوار على الرغم من معرفته تماماً أن هذا البلد لا يقوم الا بالحوار والنقاش الموضوعي والتوافق بين الأطراف. ومن يدفع الثمن أولاً وأخيراً هو الشعب اللبناني وصورة البلد التي تهتز يوماً بعد يوم”.

وأشار الى أن “الموفد الفرنسي في زيارته الأولى كان يستمزج الآراء ليبني عليها أفكاراً قد يعود بها اليوم خصوصاً أن الجولة الجديدة تأتي بعد اللقاء الخماسي، لكن لم تتبلور حتى الآن رؤية حول ما يحمله. لدينا دستور ولدينا سيادة ونعرف كيف نتعاطى مع قضايانا. كل مساعدة وكل يد تمتد للبنان مشكورة، لكن في النهاية، نحن ننتمي الى وطن ذي سيادة ، وما يجري اليوم وفق ما تسمح به الأصول الدستورية والأعراف وتقاليدنا البرلمانية”، قائلاً: “فلننتظر لنرى ما قد يحمله لودريان ليبنى على الشيء مقتضاه، والأكثرية الساحقة من اللبنانيين لم تكن راضية عما صدر عن اللقاء الخماسي لأنه تجاوز حدود اللياقات التي نلتزم بها وكأننا في مقاطعة لاحدى الدول”.

أما النائب غادة أيوب فلفتت الى أن “فريق المعارضة الذي كان سابقا 14 آذار، قدّم ما يكفي من التنازلات خوفاً من انهيار الدولة والمؤسسات. منذ 2005، الفريق نفسه تنازل لمصلحة لبنان واستمرار الجمهورية، لكن اليوم لم يعد متاحاً تقديم المزيد من التنازلات لأننا نكون حينها نطعن بنتائج الانتخابات النيابية وبثقة الشعب الذي يريد منا أن نبني دولة. وأي تنازل من المعارضة يعني التسليم بأن الدويلة هي التي تسيطر على الدولة من خلال المؤسسات، وهذا مرفوض، والتسويات غير مطروحة لا من قريب ولا من بعيد، فكيف الحال بعد مرحلة 6 سنوات من الانهيار؟”، معتبرة أن “التنازل لانتخاب رئيس بالشكل والصورة، والأفضل أن يستمر الفراغ من أن يأتي رئيس بلا موقف ولا لون ولا قرار واضح يحمي مصلحة لبنان واللبنانيين”.

وسألت: “لماذا التهديد بالفوضى؟ من يخاف على لبنان ومستقبله ومصلحته، فليتوجه الى البرلمان، وينتخب رئيس الجمهورية اليوم قبل الغد، بعيداً عن التعطيل وعن الشروط المسبقة والتفاوض على الدستور. فلنذهب نحو اتفاق الطائف بعد تعطيله لسنوات طويلة. التفاوض والحوار حول الرئاسة، وكأنه تعديل للطائف بطريقة ضمنية، هذا مرفوض”، معتبرة أن “الشعب اللبناني يدفع ثمن استقواء فريق على آخر، ومصلحة دول على حساب مصلحة لبنان. المعركة الرئاسية معركة وجود وليست معركة فولكلورية لاسم رئيس. المرحلة دقيقة في تاريخ لبنان”.

وعن زيارة لودريان، رأت أيوب أنه لن يأتي “هذه المرة للاستماع الى المسؤولين انما ليوضح مرحلة ما بعد فرنجية، ولا يمكن بناء توقعات كبيرة على خطوة لودريان المشكور على كل ما يقوم به”.

شارك المقال