تعيين حارس قضائي للحاكمية غير مستقيم قانونياً

محمد شمس الدين

تنتهي ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في 31 تموز الجاري، ويبدو أن الفراغ حتمي في ظل تخبط واضح من السلطة السياسية التي فشلت في انتخاب رئيس للجمهورية، وسيطر الفراغ على الاستحقاق الدستوري. وبما أن الفراغ يجلب الفراغ يبدو أنه سيتمدد الى الفراغ المالي وقد يطال المؤسسة العسكرية، بما يهدد كل أركان الدولة.

القوى السياسية كل لديه رأيه في مسألة الحاكمية، الرئيسان نبيه بري ونجيب ميقاتي يفضلان تعيين حاكم جديد، “حزب الله” يحبذ أن يتسلم المهام نائب الحاكم الأول وسيم منصوري، “القوات اللبنانية” كانت مع تعيين حاكم جديد حين كانت أسهم الوزير السابق كميل أبو سليمان مرتفعة، وقالها رئيس الحزب سمير جعجع بلسانه: “لا مانع من أن تعيّن حكومة تصريف الأعمال حاكماً جديداً لمصرف لبنان”، إلا أنها ترفض اليوم التعيين من الحكومة، وتسوّق لمبدأ أن يتسلم نائب الحاكم الأول. وفيما يرفض نواب الحاكم تسلم المسؤولية الصعبة من دون غطاء سياسي، يقترح “التيار الوطني الحر” تعيين حارس قضائي، وعلم موقع “لبنان الكبير” أن وزارة العدل تستعد للتقدم بطلب تسمية مدير مؤقت لدى قضاء العجلة الاداري أمام مجلس شورى الدولة، وذلك في ضوء ما يمكن أن يستجد من تطورات خلال اليومين المقبلين، وتفادياً لأي فراغ يصيب مركز حاكمية مصرف لبنان وتأميناً لسير المرفق المالي والنقدي.

وقال عضو المجلس السياسي في “التيار الوطني الحر” المحامي وديع عقل في حديث لموقع “لبنان الكبير”: “في ظل التحقيقات والادعاءات بحق رياض سلامة، سواء ادعاءات النيابة العامة التمييزية في لبنان، أو التحقيقات في فرنسا وألمانيا، مصرف لبنان هو مسرح الجريمة، ولا يمكن ترك المجرم يديره، وهذا التدبير كان يجب أن يحصل منذ بداية التحقيقات وقد تأخروا كثيراً به”.

واعتبر عقل أن “تعيين حارس قضائي هو الحل الطبيعي، في حال لم يُرد النائب الأول تسلم المهمة”، لافتاً الى أن “قاضي التحقيق الأول في بيروت شربل أبو سمرا يستطيع اتخاذ هذا التدبير، أو قاضي التحقيق الأول نقولا منصور، فأنا تقدمت بادعاء مباشر ضد سلامة أمامه، وكذلك في ملف الادعاء المقدم من القاضية غادة عون، الذي أوقف فيه أخوه رجا سلامة، وتستطيع أيضاً هيئة القضايا في وزارة العدل أن تقدم هذا الطلب عند أي قاض من قضاء العجلة أو غيره لأخذ هذا التدبير”.

وأوضحت الأستاذة الجامعية والباحثة في القوانين المالية والمصرفية د. سابين الكيك في حديث لـ “لبنان الكبير” أن “الطرح غير مستقيم قانونياً، فوفق قانون النقد والتسليف إن مصرف لبنان هو مؤسسة عامة، وبالتالي في إطاره النظامي وصلاحيته الادارية والتنظيمية للقطاع المصرفي ولاستقرار النقد والعمولات، يخضع للمرافق العامة”.

وأشارت الكيك الى أن “مصرف لبنان لديه طبيعة قانونية مزدوجة، شق يخضع فيه للقانون الخاص ويعامل فيه كالتزامات التاجر بكل ما يتعلق بالصفقات التجارية التي يجريها في السوق من توظيفاته وإلى ما هنالك، وبعلاقته مع الموظفين في المصرف المركزي هو يخضع لقانون العمل، ولكن الشق الطاغي فيه هو شق المرفق العام، وبالتالي يخضع للقضاء الاداري وليس المدني”.

ورأت الكيك أن “من يطرح تعيين حارس قضائي اليوم، يحاول أن يماثل وضع تلفزيون لبنان، الذي تم تعيين مدير مؤقت فيه، ولكن التلفزيون لديه نظام اَخر”، مذكرة بأن “مرسوماً صدر في المرسوم الاشتراعي والتعديلات التي أجريت في الثمانينيات حوّل تلفزيون لبنان إلى شركة مساهمة لبنانية، وأخضعوه لنظام الشركات المساهمة، وبقي مؤسسة عامة ولكن في إطار قانوني هو نظام الشركات المساهمة الخاضعة لأحكام قانون التجارة، وبمجلس إدارة ينتخب، وبالتالي عند عدم اكتمال الأصول الاجرائية يتعين أعضاء مجلس الادارة، ويمكن لقضاء الأمور المستعجلة أن يعين مديراً مؤقتاً، ولكن أساساً نظامه يختلف عن مصرف لبنان”.

وجددت التأكيد أن “مصرف لبنان ذو طبيعة قانونية مزدوجة، بشق كبير، فمثلاً يمكن الادعاء عليه أمام القضاء المدني في كل ما يتعلق بتعاملاته التجارية، وتوظيفاته بالعمليات التي يجريها في السوق، وحتى بموظفيه هو يخضع لقانون العمل، ومجلس العمل التحكيمي هو القضاء المختص بهذا الأمر، ولكن في الشق النظامي له كمرفق عام، كيف ينظم السوق، كيف ينظم القطاع المصرفي، وسياسته النقدية؟ هذا كله يخضع للقضاء الإداري”.

وسألت الكيك: “أي قضاء لديه صلاحية تعيين حارس قضائي، القضاء الاداري، المدني، مجلس شورى الدولة؟”، قائلة: “لا أحد لديه هذه الصلاحية، ونحن أمام فراغ في تسيير مرفق عام، وإدارته، وأنا لست ضد بالمطلق، التفكير خارج الصندوق في حالات شائكة ومعقدة كهذه هو أمر إيجابي، ولكن أنا مع تطبيق المادة 25 من قانون النقد والتسليف، هذا القانون الذي وجد كي لا تُخلق إشكالية في حال شغور موقع الحاكمية، ومن قال ان الحارس القضائي أفضل في إدارة المصرف من النائب الأول؟ يبدو أن من يطرح الأمر يتناسى أن الحارس القضائي مهمته منع أي فريق من أن يهيمن على مؤسسسة أو شركة في ظل وجود خلافات معينة، وذلك من أجل الحد من الأضرار في مرحلة نزاعية أو فيها اشكالية معينة، وهنا يجب السؤال كيف تتم محاسبة الحارس القضائي، من يحاسبه؟”.

شارك المقال