أيلول!

عاصم عبد الرحمن

أما وقد عاد المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان لمتابعة مهمته السياسية التي تبدو أقرب منها إلى جولة سياحية زار مَنْ زار واستدعى مَنْ استدعى إلى قصر الصنوبر، في خطوة تعيد إلى الأذهان مشهدية الانتداب الذي ترسخ بإعلان دولة لبنان الكبير عام 1920 واستمر حتى جلاء آخر جندي فرنسي عنه عام 1946، وإذا كان المنتدب الفرنسي قد أعلن عن إنشاء الدولة اللبنانية ذات أيلول فهل يعلن المندوب نفسه مفاجأة رئاسية في أيلول المقبل؟

معظم اللبنانيين لا يعوّل كثيراً على الحَراك الرئاسي الفرنسي ربطاً بتجارب تاريخية قادتها فرنسا في لبنان حتى في زمن الانتداب، فقد شكَّلَ إخفاق إميل إده في الوصول إلى رئاسة الجمهورية في مواجهة الرئيس بشارة الخوري أولى أوجهها الاختلالية في إحداث التوازن السياسي في بلد حُسب واحتُسب على الدوام حليفاً للولايات المتحدة لا بل حصة أميركية في الشرق الأوسط. اليوم يعيد التاريخ نفسه، محاولات فرنسية نشطت لحظة تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020 دفعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى زيارة لبنان غير مرة، وفي كل مرة يطرح فيها مبادرة ثم يعدّل فيها أو يعدُل عنها نتيجة تعنت القوى السياسية أقله ظاهراً إذ إنَّ “الكلمة المفتاح” الأميركية لم تحرر حروفها بعد في البيت الأبيض، حالٌ أدت إلى دخول الاستحقاقات السياسية والدستورية والتشريعية والوطنية كافة في “كوما” تقريرية أوصلت الشعب اللبناني إلى “تروما” تنفيذية شلَّت مختلف القطاعات الحيوية في البلاد.

عاد المبعوث الرئاسي الفرنسي إلى لبنان خالي الوفاض وهو ما سيعود به إلى فرنسا أيضاً، فحتى محاولات عقد طاولة الحوار التي تأرجحت بين تحديد المكان والزمان والبرنامج والمشاركين فيها باءت بفشل ذريع على أثر رفضها من معظم القوى السياسية التي لم تؤمن بجدواها بديلاً عن انتخاب رئيس للجمهورية تحت قبة المجلس النيابي وفي جلسات مفتوحة وفق ما ينص عليه الدستور اللبناني. ومع دخول الديبلوماسية الأجنبية عطلتها الصيفية مطلع شهر آب المقبل تتجمد معها التحركات السياسية الرامية إلى إحداث خرق ما في جدار الأزمة الرئاسية المستفحلة.

وفي هذا السياق، قال مرجع نيابي شمالي في حديث لـ “لبنان الكبير”: “لسنا مُترَفين بالوقت إلا أنَّ أيلول المقبل يشكل شهر تحريك المياه الراكدة في الملف الرئاسي وفق ما رشح عن لقاءات المبعوث الرئاسي الفرنسي”. واعتبر أن رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزيف عون هما المرشحان الرئاسيان الجديان والوحيدان في السباق الرئاسي وتسير حظوظ كل منهما بصورة متوازية مع الآخر، مشيراً إلى ارتياح يسود أوساط “المردة” ستتوضح صورته أكثر مطلع أيلول المقبل، مذكراً بعقدة التعديل الدستوري الذي يعوق انتخاب عون رئيساً للجمهورية.

حالٌ من الهرج والمرج تخيّم على الأجواء اللبنانية الملتهبة أساساً على وقع شغور دستوري متمدد وفراغ أخلاقي مهدِدٍ لليوميات اللبنانية التي تملأها جرائم متنقلة وتشغلها فرصة مقفلة في سبيل البحث عن تحرير الاستحقاقات السياسية والدستورية، وعلى الرغم من عدم إمكان البناء كثيراً على التحرك الفرنسي الذي يبقى يتيماً ما لم يتبناه الأب الأميركي الممسك بعصا سحرية تقلب الميدان السياسي رأساً على عقب، فهل يكون أيلول فعلاً طرفه بشتاء الحلول الرئاسية مبلولاً؟

شارك المقال