كمين عين الحلوة… ما هو “المشبوه”؟

زاهر أبو حمدة

عند افتقاد المعلومة، يحاول المحللون والصحافيون ربط الخيوط ببعضها البعض للترويج لقصة صحافية يمكن أن تكون مقنعة. هذا ما حصل حين وقعت الاشتباكات في مخيم عين الحلوة. لكن ماذا في المعلومات الحقيقية من دون “الفبركات” واسقاط مؤتمر الحوار الفلسطيني في مصر والتظاهرات ضد حكم “حماس” المطالبة بـ”العيش الكريم” في غزة، وزيارة مدير الاستخبارات الفلسطينية ماجد فرج الى بيروت، على اغتيال قائد الأمن الوطني في صيدا محمد العرموشي ورفاقه؟

قبل ذلك، لا يمكن فصل المسائل الميدانية عن الاستراتيجيات الاستخباراتية. ومعروف أن الأجهزة تستغل حدثاً أو تصنعه لتنفيذ أجنداتها. ومن هنا لا يُعرف إذا كان اطلاق النار تجاه مجموعة من “الشباب المسلم” ومقتل الشاب عبد فرهود، واصابة محمود خليل “أبو قتادة” وعيسى حمد موجهاً من جهة أمنية أو هو قرار فردي لا أكثر. لكن ما هو مؤكد أن مطلق النار هو محمد زبيدات (الصومالي) في محاولة لأخذ الثأر بعد مقتل شقيقه العنصر في قوات الأمن الوطني الفلسطيني محمود زبيدات في آذار الماضي. بعدها قررت حركة “فتح” تسليم القاتل الى القوى الأمنية اللبنانية، وكُلف العرموشي إلقاء القبض عليه. وعند ذهابه الى منطقة البركسات حيث يوجد “الصومالي” أبلغ القيادي في “جند الشام/ الشباب المسلم” هيثم الشعبي، أنه ذاهب لتنفيذ المهمة لمنع أي تصعيد، لكنه وقع في كمين وحزام ناري في منطقة المدارس قبل خطوات قليلة من البركسات، وبعدها اشتعل المخيم.

قبل ذلك بأيام، سُجلت أحداث لا بد من البحث فيها للوصول إلى اجابات، أهمها عودة مجموعة من المطلوبين، عُرف منهم المطلوب عيسى حمد وكان مع أبو قتادة، وأصيب في اطلاق النار عليه، ونضال المقدح وخالد جمال شريدي. هؤلاء كانوا خارج لبنان، وفي المعلومات أن مؤسس “مجموعة المقدسي” فادي الصالح دبر عملية عودتهم وهو مقرب من “حماس” ويعمل مع منظمات غير حكومية تركية ويدعم مجموعة “الشباب المسلم” ومن ضمنهم المطلوب بلال بدر.

أما النقطة الأخطر، فهي الخلاف بين رئيس لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني باسل الحسن، ومنظمة التحرير الفلسطينية. أساس الخلاف يرتكز على رؤية الحسن للملف الفلسطيني، ولو تمظهر في تصريحات ارتجالية من الحسن تتماهى مع الموقف الأميركي – الاسرائيلي بشأن تمويل وكالة “الأونروا”. لكن المشروع أكبر من ذلك، فالحسن نسف ورقة “رؤية لبنانية موحدة لقضايا اللجوء الفلسطيني في لبنان”، (20 تموز2017) مدعوماً من السفارتين الألمانية والأميركية وبرنامج الأمم المتحدة الانمائي(UNDP) . ومن دون استشارة القيادة الفلسطينية أعلن الحسن، عن مشروع قانون يقدم الى مجلس النواب اللبناني يتلخص في اعطاء بعض الحقوق الانسانية مثل تملك شقة فقط، وحرية العمل بلا اجازة عمل بعد موافقة النقابات اللبنانية على ذلك، مقابل تسليم السلاح خارج المخيمات وتنظيمه داخلها، ودخول الجيش اللبناني الى مناطق في مخيم عين الحلوة مثل حي الطوارئ، حيث لا يعتبر جزءاً ادارياً من المخيم وفقاً للعقار المستأجر لمدة 99 عاماً من “الأونروا”. وبالفعل يبدو أن الجبهة الشعبية – القيادة العامة، وافقت على تسليم جزء من سلاحها الثقيل في نفق الناعمة (جبل لبنان) وقوسايا (البقاع)، وهذا موقف الجبهة منذ زمن أن مقابل سحب السلاح يجب تقديم الحقوق الانسانية للاجئين. أما اللافت في خطة الحسن فهو عدم اعتراض حركتي “حماس” و”الجهاد” عليها، ما اعتبرته منظمة التحرير الفلسطينية محاولة لفرضها من دون موافقة الفصائل كافة. ويكمن الاعتراض على أن مشروع القانون غير واضح قانونياً وسياسياً ويمس بالمكانة القانونية لـ”المخيم” وحق العودة المثبت بالقرار الدولي 194. يضاف إلى ذلك أن الفكرة الأميركية هي إلغاء وكالة “الأونروا” وتحويل خدماتها الى منظمات الـ”NGOS” ودمجها في المفوضية العليا السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) وهذا ما عبّر عنه مفوض “الأونروا” فيليب لازاريني.

ولذلك حضر فرج الى بيروت على وجه السرعة مع فريقه، وفي جعبته أكثر من ملف للبحث، في مقدمها محاولة لقاء الأمين العام لـ “الجهاد الاسلامي” زياد النخالة، لاقناعه بالمشاركة في مؤتمر الأمناء العامين للفصائل. هذه المحاولة فشلت، لكنه التقى مدير المخابرات اللبنانية العميد طوني قهوجي ومدير الأمن العام بالانابة اللواء الياس البيسري، لاستيضاح ما تفكر فيه الدولة اللبنانية تجاه الملف الفلسطيني؟ وهل خطة الحسن عليها اجماع لبناني لا سيما وأن حركة “أمل” والحزب “التقدمي الاشتراكي” لديهما تحفظات عليها؟

واذا كان فرج وراء ما يحصل في عين الحلوة، فهل سيُدبَر اغتيال لأهم القادة العسكرين التابعين للسلطة الفلسطينية أم العكس هو الصحيح؟ فما حصل وفقاً لمصادر فلسطينية هو رد على زيارته ورفض السفير الفلسطيني أشرف دبور لتعاطي الحسن. وفي المحصلة لتمرير مشروع الحسن لا بد من اقصاء دبور سياسياً وتنظيمياً وأهم القادة الميدانيين ممن يأتمرون بأمره مثل العرموشي. وما يؤكد ذلك، ما صرح به المسؤول اللبناني الكبير بأن ما يحدث عمل مشبوه، علماً أن المسؤول نفسه نقل أبرز المطلوبين (شادي المولوي) بسيارته الى مخيم عين الحلوة في فترة سابقة.

وفي مقابل اشتباك “الأمن الوطني الفلسطيني” مع المجموعات الضالعة بعملية الاغتيال، حاولت جهات استدراج “الحركة الاسلامية المجاهدة” بقيادة الشيخ جمال خطاب، و”عصبة الأنصار” بقيادة العائد للظهور أحمد السعدي (أبو محجن)، وفشل هذا لأن العصبة لديها خطة مصالحات شاملة في المخيم ما يتعارض مع أهداف الأجهزة وجهات محلية. لكن الأكيد أن محاولات تدمير المخيم وافتعال الخضات الأمنية لن تكون الأخيرة، فموقع المخيم الجغرافي وعنوانه السياسي يحتمان استمرار النزيف لا سيما وأن لبنان في مخاض انتخاب رئيس جمهورية جديد مع حضور الشركات النفطية والاحتكاك في جنوبه. من هنا، يمكن للجيش اللبناني أن يدخل على خط الاشتباكات لحسم المعركة خصوصاً في منطقة التعمير – الطوارئ بالقرب من حاجزه الأساس عند مدخل الشارع التحتاني، إذا ما كان هناك قرار سياسي وأمني وفقاً لخطة وضعت قبل الاغتيال “المشبوه”.

شارك المقال