من التحاور الى التشاور… ومن الانحدار الى الانهيار

لينا دوغان
لينا دوغان

على وقع لقاءات رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي مع نواب الحاكم وعلى وقع مواعيد الموفد الفرنسي جان ايف لودريان مع كل الأطراف السياسية في البلد، وبين إيقاع مغادرة رياض سلامة وتسلم النائب الأول وسيم منصوري زمام أمور حاكمية المصرف المركزي، وإيقاع اللقاءات الثنائية التي طلبها منا لودريان من الآن حتى أيلول موعد عودته، يعيش اللبنانيون يوماً بيوم في حالة من التأقلم مع الأزمات، ومعظمهم لم يعد يمني النفس بأي حل قريب، بل أصبح همهم ينصب على مشكلاتهم الاجتماعية والمعيشية فقط لا غير.

على خط “المركزي”، انتهت ولاية رياض سلامة في ٣١ تموز ٢٠٢٣ بعد ٣٠ عاماً قضاها في منصبه، ومع الانقسامات الحاصلة في البلد من البديهي أن لا يتم الوصول الى الاتفاق على تعيين حاكم جديد للمصرف، إذ يعارضه “حزب الله” الذي قال أمينه العام إن حكومة تصريف الأعمال لا يحق لها تعيين من يشغل هذا المنصب، ويتفق “التيار الوطني الحر” مع ذلك ليزيد ويقول إنه يريد تعيين مراقب قانوني مسيحي ليدير مصرف لبنان، بينما تحرك الرئيس نبيه بري والرئيس ميقاتي باتجاه العمل على تعيين من يخلف سلامة.

في موازاة ذلك، كانت تهديدات نواب الحاكم الأربعة بالاستقالة مدار مد وجزر طوال الأسبوع الماضي، والذي حصلت خلاله عدة اجتماعات بين الرئيس ميقاتي والنواب الى أن وصلت الأمور الى خواتيمها في الاجتماع الثالث بعد أن حصلوا وتحديداً النائب الأول على الغطاء والضمانات، والتي لم تكن من كل الأطراف الداخلية وحسب، بل دولية أميركية أولاً وخماسية ثانياً.

وفي الاجتماع الأخير أكد الرئيس ميقاتي أن المرحلة الراهنة تتطلب تعاون الجميع للحفاظ على الإستقرار المالي والنقدي النسبي وعدم تعريضه للإهتزاز، كما أن المحاذير التي عبّر عنها نواب الحاكم في البيان الذي أصدروه قبل أيام مشروعة، وأن الخطة التي وضعوها تنسجم مع الخطة الحكومية، والحكومة ستتعاون مع المجلس النيابي لإقرار التشريعات الضرورية لحسن سير عمل المؤسسات في المرحلة الدقيقة من تاريخ لبنان، وفق الأصول المنصوص عنها في قانون النقد والتسليف.

من جهتهم، أكد نواب الحاكم أنهم يقومون بواجباتهم الوطنية والوظيفية ضمن الأصول القانونية، مشددين على أنهم أصدروا البيان لحض الجميع على تأمين المتطلبات القانونية والتنفيذية للحفاظ على الحد الأدنى من الاستقرار الذي يجب المحافظة عليه، مثمّنين تجاوب القوى السياسية لتأمين المتطلبات حكومياً ونيابياً وقانونياً.

بالنسبة الى القطاع المصرفي في لبنان اليوم الثلاثاء الأول من آب ٢٠٢٣ سيكون يوماً مفصلياً، غادر رياض سلامة ولم يعيّن بديل وبالتالي حكم النائب الأول الشيعي الذي سيسعى الرئيس بري جاهداً الى عدم فشل هذه المرحلة التي يتسلمها منصوري والتي لا نعرف أي السياسات المالية ستسلك!

صحيح أن مسألة المصرف المركزي سرقت الأنظار عما يحصل على الخط السياسي، إنما ما يجري في ما خص الشغور الرئاسي فحدث ولا حرج.

الكل يتحدث عن أيلول ولا أحد ينتظر أيلول، أو الأصح لا أحد جاهز أو حاضر ليقوم بمهمته المطلوبة منه في ايلول.

جاء الموفد الفرنسي بزيارةٍ سريعة ليضع الجميع أمام دوره في مشاورات أيلول التي سيرأسها هو، وطرح على القيادات التي التقاها فكرة مشاورات خلال شهر أيلول المقبل في قصر الصنوبر في محاولةٍ للتوافق على مواصفات وأيضاً برنامج رئيس الجمهورية، انطلاقاً مما أقرّته اللجنة الخماسية أي أن يتمتع بالنزاهة ويوحد شعبه ويضع مصالح بلده أولاً، ويعمل على تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الأساسية لا سيما تلك التي يوصي بها صندوق النقد الدولي، على أن تقوم الكتل النيابية بعد هذه المشاورات بالتوجّه إلى مجلس النواب لعقد جلسات متتالية من دون أي تعطيل للنصاب.

وفيما لم يطرح لودريان أي اسم للرئاسة، طلب الاستحصال على أجوبة فورية من رؤساء الكتل والأحزاب.

هذه الفكرة المدعومة من الدول الخمس والتي على أساسها يطرح لودريان مشاورات تنطلق من نقطة الصفر في فترة زمنية سريعة ومحددة للاتفاق على البرنامج الذي يحتاجه لبنان وعلى اسم المرشح المؤهل لحمل هذا التصور، لم تعطِ عليها الأطراف الرد نفسه: باسيل تجاوب، تيمور جنبلاط الى الحوار بلا شروط مسبقة، المعارضة من “قوات” و”كتائب” ستتشاور، لاقى الطرح ترحيباً من “حزب الله”، على الرغم من موقفه المتشدد، أما الرئيس بري فكان الوحيد الذي صدر عنه موقف مباشر وهو أن كوة ايجابية فتحت في جدار أزمة الرئاسة.

ولكن بانتظار أيلول هل بدأت الأطراف اللبنانية بالتحضير لأجندة ما تساعد على تسهيل المهمة التي يأتي لودريان من أجلها في زيارته الثالثة؟

بعض النواب التغييريين الذين استمهلوا لاجراء مشاورات بغية التوصل الى موقف موحد، عقدوا لقاءً مع ممثلين عن حزب “القوات” و”الكتائب” وكتلة “تجدد” لهذه الغاية.

من الواضح أن هذه اللقاءات ستتكرر بين هذه المجموعات، لكن البارز عودة الثنائي التيار العوني – “حزب الله”، بعد أن كان التقاطع على جهاد أزعور سيد الموقف بين جبران باسيل والمعارضة. عاد باسيل الى حضن “حزب الله” من باب مناورة جديدة يقوم بها على ما يبدو، يعوّل فيها على مرشح ثالث أو يقبل بمرشح الثنائي الذي يرفضه أصلاً مقابل ضمانات بالحصول على لامركزية موسّعة وصندوق ائتماني، وهذا الدعم الذي تطلبونه منا نريد له مقابلاً ليس لجبران باسيل، ولا لـ “التيار الوطني الحر” بل للدولة اللبنانية.

أكّد لودريان أن هذه المحاولة هي الوحيدة التي يقوم بها أصدقاء لبنان من أجل إيجاد مخرج للأزمة، من خلال دعوة الكتل النيابية الى اجتماع عمل في أيلول المقبل محصور بالانتخابات الرئاسية وتحديداً بالمواصفات التي يجب أن يتمتع بها رئيس الجمهورية وبالمهمة التي سيقوم بها خلال عهده. الواضح من هذا الكلام أن التسويف لم يعد ينفع، وأن أصدقاء لبنان ينظرون الينا على أننا أضعنا الكثير من الوقت والكثير من الفرص، وأظن أنهم لن يكونوا معنا الى ما شاء الله، ومحطة أيلول أصبح جلياً أنها ستكون قاطعة وسيأخذون القرار النهائي بعدها ويبتون بأمر تعاطيهم بملفاتنا اذا لم تنجز مهمة أيلول كما يجب، وبعدها يمكننا القول من أيلول الى المجهول.

شارك المقال