قنبلة ميقاتي!

عاصم عبد الرحمن

لم يكد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يعلن نيته عقد جلسة لمجلس الوزراء في الديمان مقر الإقامة الصيفي للبطريرك بشارة بطرس الراعي يوم الثلاثاء 8 آب 2023 قائلاً إنها “تتمحور حول التأكيد على القيم الإنسانية والتمسك بالوحدة الوطنية”، حتى انقسم الشارع اللبناني بين مؤيد ومعارض كلٌّ وفق رؤيته، فما هي التداعيات الدستورية والأبعاد السياسية للجلسة الميقاتية؟

حدث لبناني جديد يضاف إلى يوميات اللبنانيين الباحثين عما يملأون به منصاتهم الالكترونية ويشغلون معهم الرأي العام، هذه المرة توحد المسلمون والمسيحيون حول الموقف من نية ميقاتي عقد جلسة حكومية في الديمان وبموافقة الراعي وربما بمشاركته، فمنهم مَن اعتبر أن الرئيس ميقاتي يسعى إلى استقطاب تغطية مسيحية تتمثل برأس الكنيسة المارونية لاجتماعات ومقررات حكومة تصريف الأعمال التي تواجه معارضة شديدة من قوى مسيحية عديدة أبرزها “التيار الوطني الحر” والتي حالت دون تعيين خلف لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة المنتهية ولايته نهاية تموز الفائت، وفي حال عُقدت الجلسة في حضرة الراعي سيُحرج الوزراء المسيحيون من جراء مقاطعتها وعليه سيحضرون بالاجماع. وهناك مَنْ رأى أن خطوة ميقاتي تصب في خانة التملص من تهمة الاعتداء على صلاحيات رئيس الجمهورية بمعاونة رئيس مجلس النواب نبيه بري، في مقابل مَنْ ثمَّن خطوة ميقاتي على اعتبار أن انعقاد جلسة حكومية برعاية الراعي إنما تنعكس طمأنينة سياسية في نفوس المسيحيين الذين يئنون تحت وطأة شغور المواقع المارونية في ظل تعثر اجتراح الحلول السياسية المنشودة في الخارج المتمهل قبل الداخل المهمَل من سياسييه الذين عاثوا فساداً بحق شعوبهم مهددين بقاء الكيان اللبناني على قيد الحياة.

في محاذاة الآراء الشعبية من انعقاد جلسة لمجلس الوزراء في الديمان، لا بد من التوقف عند الرأي الدستوري حول انعقاد هذه الجلسة خارج السراي الحكومي وإمكان حضور الراعي لها، وفي هذا السياق يقول الخبير الدستوري الدكتور أنطوان صفير لـ “لبنان الكبير”: “إن مجلس الوزراء وبحسب المرسوم الذي ينظم أعماله يجتمع في مقر خاص ولا يحضره إلا رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والوزراء والأمين العام لمجلس الوزراء وأي موظف أو شخص يستدعيه مجلس الوزراء، وحضور الراعي هو معنوي وشكلي ووطني أكثر مما هو دستوري وقانوني وإجرائي وبرأيي فإن غبطته لا يرغب بالمشاركة في السلطة التنفيذية”.

ويضيف صفير: “لا أعتقد أن مجلس الوزراء في حال انعقاده في الديمان سيتخذ قرارات أو قضايا تنفيذية أو إجرائية وبالتالي هو موقف سياسي ووطني لانعقاده في الديمان خصوصاً إبان الشغور الرئاسي”.

أما عن الأبعاد السياسية للجلسة الحكومية المزمع عقدها في الديمان، فيقول أستاذ السياسات والتنظيم الاداري في الجامعة اللبنانية البروفيسور برهان الخطيب لـ “لبنان الكبير”: “نصت الفقرة 5 من المادة 65 من الدستور اللبناني على أن: يجتمع مجلس الوزراء دورياً في مقر خاص ويترأس رئيس الجمهورية عندما يحضر…، بالإضافة إلى مرسوم تنظيم أعمال مجلس الوزراء رقم 2552 بتاريخ 1/8/1992 الذي نص في المادة 6 منه على أن ينعقد مجلس الوزراء دورياً في مقره الخاص. اليوم ومع الدعوة الى عقد جلسة لمجلس الوزراء في الصرح البطريركي في الديمان يُطرح سؤال حول دستورية هذه الجلسة ومدى قانونية ما سيصدر عنها، سابقاً طرحنا أكثر من علامة استفهام حول دستورية وقانونية ما صدر عن مجلس الوزراء خارج مقره الخاص، ولكن هذه الإشكالية الدستورية يمكن إيجاد تبرير سياسي لها إذا كان لهذا الانعقاد أبعاد أكثر إيجابية على الوطن والمواطنين، والتبرير الذي سيق لانعقاد هذه الجلسة في الصرح البطريركي في الديمان للتمسك بالوحدة الوطنية والتأكيد على ضرورة انتخاب رئيس، هدف نبيل ونحن ندعمه، ولكن أعتقد أن الجلسة ستكون بروتوكولية فقط ولن تصدر عنها أي قرارات بل سيُكتفى بإصدار بيان كي لا تكون سابقة”.

وحول ما إذا كانت ستتبعها مطالبات لمواقع دينية أخرى بعقد جلسات في صروحها، يجيب الخطيب: “نقترح عقد لقاء تشاوري بحضور الوزراء ورؤساء الطوائف وأن يصدر بيان موحد حول الوحدة الوطنية وضرورة انتخاب رئيس للجمهورية”.

إذا كانت الغاية من عقد جلسة لمجلس الوزراء في الديمان وبحضور البطريرك الراعي إرسال رسالة تطمينية ذات بعد وطني إلى الشركاء المسيحيين خصوصاً في ظل الشغور الرئاسي، فلا بأس ما دامت تحت سقف الرمزية التوافقية والوحدة الوطنية على ألا تصبح عرفاً يتكرر خارج السياق الدستوري، في حين أن المطلوب هو الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية ينتظم معه عمل المؤسسات الدستورية.

شارك المقال