غالبية تحقيقات المجلس العدلي بلا نتيجة… ماذا عن انفجار المرفأ؟

محمد شمس الدين

في ذكرى 4 آب تختفي الكلمات، ويحل مكانها الغضب، كيف لهذا الانفجار أن يحصل، ويدمر العاصمة بيروت؟ من المسؤول؟ من وضع النيترات ومن فجرها؟ ومن علم بها وسكت عنها؟ من ومن ومن…؟ كلها أسئلة لا تزال في طليعة اهتمامات الشعب اللبناني في ملف انفجار مرفأ بيروت، وحتى اليوم لا إجابة عن كل الأسئلة، قضاء مكفوفة يده، وعدالة ضائعة، فمن السبب؟ القضاء أم السياسة أم الاثنان معاً؟

القضايا مثل انفجار المرفأ تحول إلى المجلس العدلي، هو نفسه المجلس الذي لا تصل غالبية التحقيقات التي يتسلمها إلى نتيجة، من اغتيال كمال جنبلاط ورينيه معوض واختفاء الامام موسى الصدر ورفيقيه، وجريمة قتل الزيادين، ومعظم التفجيرات التي حصلت بعد العام 2005، وإن وصلت قضية إلى نتيجة، يدور الشك حول مصداقيتها، بسبب عدة عوامل، ولكن أساسها هو البطء في التحقيق، الذي يسمح بوضع الملف في بازار السياسة وألاعيبها مع الرأي العام، فتضيع القضية مهما كانت الجريمة وفظاعتها وتأثيرها على الشعب اللبناني.

يتسلم المجلس العدلي القضية ويعين محققاً عدلياً، أعطي بالقانون صلاحيات مطلقة، ما يُدخل أي ملف في نزاع على الصلاحيات مع أي جهة عامة، وذلك بسبب وجود قوانين خاصة لكل مؤسسة، فمثلاً في قضية انفجار المرفأ، المحقق العدلي يملك الصلاحية المطلقة، والتي تتضارب مع المواد القانونية المتعلقة بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، ما جعل من القضية موضع تجاذب بين القضاء والسياسة، وجمّد التحقيقات حتى تحل هذه الاختلافات.

واضافة إلى تضارب الصلاحيات مع القوانين، تحوّل القضية إلى المجلس العدلي عبر السلطة السياسية، ومجلس الوزراء تحديداً، وذلك وفق تقدير الوزراء، وعادة ما يتم تعيين محققين عدليين بحسب الطائفة المستهدفة، وهذا بحد ذاته ضرب لمبدأ الحياد القضائي، وأبرز مثال على ذلك هو تعيينات المحققين العدليين في عهد وزير العدل السابق أشرف ريفي، بحيث عيّن قضاة شيعة في تفجيرات الضاحية الجنوبية والهرمل، وقضاة سنة في ملفي تفجير مسجدي السلام والتقوى، واغتيال الوزير محمد شطح. ويمكن أيضاً ملاحظة هذا الأمر إثر انفجار المرفأ بحيث علت الأصوات لتعيين قاضٍ من طائفة المنطقة التي حصل فيها الانفجار، وفعلاً عيّن قاضيان مسيحيان.

كل هذا يدعو بحد ذاته إلى تضييع التحقيقات، لأن الطرف المتضرر سيستخدم التسييس والطائفية كحجة، إما لرفض نتائج أي تحقيق، أو لعرقلة سير التحقيقات.

أما المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، وبعد أن خاض في كل هذا الضياع، لم يبدأ تحقيقه من الصفر، بل قفز ثلاث أو أربع خطوات إلى الأمام، وتوجه إلى الاهمال الوظيفي، بدل أن تكون نقطة البداية هي سبب الانفجار، وإن كان حادثاً أم مفتعلاً، أو أن وجود النيترات في المرفأ صدفة أم أنها شحنة لأحد أو جهة ما، وكيف مرت النيترات على القوات الدولية التي تراقب ما يدخل إلى المرفأ، وأسئلة كثيرة، يعتبرها العديد من الملمين بالشأن القانوني، هي الأساس في التحقيق، ومن ثم تنتقل إلى الاهمال الوظيفي. والمشكلة الأكبر أن القاضي البيطار وضع معيار “كل من علم بالنيترات” واستنسب فيه، بحيث لاحق بعضاً ممن علموا بوجودها بينما لم يلاحق آخرين، فبينما لاحق بعض الوزراء ورئيس الحكومة السابق حسان دياب، لم يلاحق رئيس الجمهورية ميشال عون الذي أقر بنفسه بأنه كان يعلم، ولم يلاحق أياً من عناصر الجيش، إن كان على مستوى القيادة والضباط أو العساكر، ولم يلاحق القضاة الذين كانت لديهم قرارات بالحجز على السفينة وبضائعها، وغيرهم الكثير، ما دفع من لاحقهم إلى تقديم دعاوى رد وارتياب، وجُمّدت التحقيقات ولا يزال ذوو الضحايا ينتظرون العدالة.

كل هذا يدفع إلى التساؤل إن كان ملف كقضية المرفأ يجب تركه للأيادي اللبنانية، والنهج اللبناني في العمل، فالكثيرون يرون أن أفضل حل هو لجنة تحقيق دولية، ويمكن طمأنة هواجس البعض عبر اختيار محققين، إما محايدون عن صراع الشرق والغرب، وإما مؤلفون من الطرفين. وهنا الحديث ليس عن محكمة دولية، بل عن لجنة تحقيق دولية، تقدم نتائج تحقيقاتها إلى القضاء اللبناني، تحديداً أن لجنة كهذه قد يمكنها الضغط بصورة أكبر للحصول على مشاهد الأقمار الاصطناعية من المجتمع الدولي.

شارك المقال