تحذير ومواصفات!!

صلاح تقي الدين

في وقت لا يزال فيه المسؤولون اللبنانيون غارقين في البحث عن وسيلة لانتاج رئيس للجمهورية، وفي وقت تختلط فيه الأوراق الإقليمية بطريقة سلبية عكس كل الآمال والتوقعات السابقة، التي رافقت جو التهدئة بفعل الاتفاق السعودي الايراني في بكين… جاء التحذير السعودي لرعايا المملكة بضرورة مغادرة لبنان على الفور، ليضيف مزيداً من الغموض والتشاؤم حول المستقبل القريب الذي ينتظر لبنان واللبنانيين.

المملكة معنية بوضع معايير تتعلق بالمحافظة على أمن مواطنيها أينما كانوا حول العالم، فإذا فقدت هذه المعايير أو بالحد الأدنى تراجعت، فإنها تصدر بالتوافق بين وزارتي الخارجية والدفاع تحذيرات لمواطنيها بضرورة أخذ الحيطة والحذر وعدم الاقتراب من مناطق تشهد نزاعات مسلحة، أو كتدبير وقائي أعلى تطلب منهم مغادرة الدولة التي يتواجدون فيها وتشهد اضطرابات أمنية.
وإذا كانت الاشتباكات التي شهدها مخيم عين الحلوة، بالقرب من عاصمة الجنوب، صيدا، وسقوط محاولات التهدئة مراراً قبل أن تنجح في ضبط الأمور بعد وقوع عدد كبير من الاصابات، لا يبدو أنها قد أخمدت في مهدها، وأن عودة الجولات القتالية أمر محتمل جداً، فإن دعوة المملكة رعاياها لمغادرة لبنان، إلى جانب تذكيرهم بأن حظر سفر المواطنين السعوديين إلى لبنان لا يزال قائماً، يحمل في طياته مؤشرات حول احتمال أن تشهد المنطقة تطورات خطيرة، لن تكون الساحة اللبنانية مستثناة منها.

وإذا كانت المؤشرات حول هذه التطورات تبدأ من إعلان تأجيل المملكة افتتاح سفارتها في العاصمة الايرانية طهران، وصولاً إلى تراجع الاندفاع العربي باتجاه العودة إلى سوريا بعد مشاركة رئيس النظام بشار الأسد في القمة العربية في الرياض، ورفع جهوزية العدو الاسرائيلي وتأهب جيشه على الحدود الشمالية مع لبنان… فإن تحركات عسكرية أميركية في المنطقة تؤشر إلى احتمال حدوث تطورات خطيرة، قد تجر المنطقة إلى صراع ليس معروفاً متى ومن أي سيبدأ وبالتأكيد ليس معروفاً كيف سينتهي.

وأمام هذه التطورات، لا يزال المسؤولون اللبنانيون يتخبطون في كيفية التوافق للوصول إلى انتاج رئيس للجمهورية، ولا يزالون يفتشون عن المواصفات التي تناسب كل فريق من الفريقين المتواجهين، فريق الثنائي الشيعي الممانع من جهة، وفريق المعارضة المشتتة من جهة أخرى.

كان من الواضح أن “تقاطع” المعارضة مع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل حول اسم الوزير السابق جهاد أزعور لم يكن الهدف منه إيصاله إلى قصر بعبدا، بقدر ما كان لمنع وصول مرشح فريق الممانعة رئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية إلى الرئاسة فبعد انفضاض جلسة الرابع عشر من حزيران، عادت المفاوضات بين باسيل و”حزب الله” لتنتعش من جديد وبشروط “باسيلية” ليس معروفاً ما سيكون موقف حزب الله منها.

غير أن ما هو واضح أيضاً، انه حتى لو كان الافتراض أن “حزب الله” سيلبي مطالب باسيل ويمنحه فرنجية الضمانات التي يسعى إليها، فإن الأصوات التي يمكن أن يحصل عليها فرنجية لن تكون كافية في الجولة الثانية من الانتخاب، حيث أن “القوات اللبنانية” و”الكتائب” وبعض النواب التغييريين والنواب السنة المستقلين، وربما نواب “اللقاء الديموقراطي’ سيلجأون إلى تعطيل النصاب. وبالتالي قطع الطريق أمام فرنجية لوصوله إلى بعبدا.

لا مواصفات فرنجية تحظى بتأييد المعارضة، ولا مواصفات أزعور تحظى بقبول الممانعة، وبالتالي فإن المعايير والمواصفات التي وضعتها المملكة العربية السعودية، والتي اقتنعت بها بقية دول اللجنة الخماسية بمن فيها فرنسا، تبقى هي الصالحة والتي يمكن تطبيقها على ما درج تسميته بالخيار الثالث.

أول المواصفات هي أن يكون المرشح للرئاسة مؤمناً صادقاً باتفاق الطائف، وأن يكون مجرباً سياسيا وأن يملك مشروعأً إصلاحياً إنقاذياً ورؤية اقتصادية تبدأ بوضع خطة تعاف سبق للمملكة العربية السعودية أن عرضتها على لبنان من خلال 22 اتفقاية شراكة استراتيجية، في جميع المجالات الحيوية الاقتصادية، والتي تضع لبنان ليس على خطة التعافي فحسب، بل ترفعه إلى درجات الرفاهية.

ربما سيهلل الذين يروجون لمقولة انكفاء المملكة عن لبنان، للتحذير الذي صدر ودعا الرعايا السعوديين لمغادرة لبنان على الفور، لكن واقع الحال يشير، لا بل يؤكد، أن المملكة ما انكفأت يوماً عن لبنان، ولا تراجعت عن مساعيها في حل كل الأزمات التي يتخبط بها، لكن ضمن قواعد تتلاءم مع رؤية 2030 التي وضعها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والتي تقوم على مبدأ تنويع الشراكات الاستراتيجية بين المملكة ومختلف الدول بمن فيها لبنان.

وإذا كان انتخاب رئيس للجمهورية يتمتع بالمواصفات التي تجعل منه رئيساً لدولة ستكون “شريكة استراتيجية” للمملكة العربية السعودية، فعلى نواب الأمة ومختلف الفرقاء السياسيين استغلال هذا الأمر، علَّ الجيل المقبل من اللبنانيين سيتمكن من التمتع بمعايير سلامة وأمن شبيهة بالمعايير التي تضعها المملكة بالنسبة لمواطنيها، وتصبح دولتهم قادرة على رعاية مصالحهم أينما كانوا حول العالم، وتصدر وزارة خارجية دولتهم تحذيراً مشابهاً للتحذير السعودي قائما على مبدأ سلامتهم أولاً وأخيراً.

شارك المقال