الإتفاق السعودي – الإيراني في غرفة الإنعاش؟

ياسين شبلي
ياسين شبلي

كل شيء في الأجواء يوحي بأن عطباً ما قد أصاب الإتفاق السعودي – الإيراني، الذي بُنيت عليه آمال كثيرة لتهدئة مشاكل المنطقة، ومن ثم البدء بحلها تدريجياً إن لم يكن حلها عاجلاً… آمال كان البعض منها واقعياً والبعض الآخر لم يكن أكثر من تمنيات، وذلك إنطلاقاً من نظرة كل طرف من طرفي التحليل السياسي ومعرفته بطبيعة النظام الإيراني وعقيدته السياسية وأهدافه الإستراتيجية في المنطقة.

فالمؤشرات الأخيرة، من تأجيل إفتتاح السفارة السعودية في طهران، وما تبعه من توقف أعمال الصيانة بالسفارة السعودية بدمشق تمهيداً لإعادة فتحها، التي أعقبت بدورها إندلاع الجدل الإيراني مع كل من الكويت والسعودية على ملكية حقل الدرة النفطي… توحي بأن الأمور لا تسير على ما يرام من الجانب الإيراني على الأقل، الذي بإستثناء التهدئة في اليمن، التي لم تكلفه شيئا، لم يقدم شيئا يذكر على صعيد الوضع العام بالمنطقة. في حين أن المملكة العربية السعودية قامت بخطوات كثيرة جبارة، سواء في اليمن أو في سوريا عبر إعادة وصل ما إنقطع مع النظام السوري، وإعادة تأهيل رئيسه عبر مشاركته بالقمة العربية وبدء العمل على إعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين من دون أي مقابل سياسي، اللهم إلا تعهد هذا النظام بمحاربة تصدير الكبتاغون إلى دول الخليج، بالرغم مما أثاره هذا الإجراء من إستياء في الكثير من الأوساط الشعبية العربية، والذي أظهر المملكة وكأنها الطرف الأضعف في الإتفاق، في حين أنها، أي المملكة، على ما يبدو تتعامل وعلى جري عادتها بكل جدية وإحساس بالمسؤولية تجاه الإلتزامات والإتفاقيات التي تعقدها على إعتبار أنها “أم الصبي” ، وأن المشاكل الإقليمية تقع بغالبيتها على الأرض العربية، وتؤثر بالتالي على أمنها والأمن القومي العربي بشكل عام.

فالواضح أن الجانب الإيراني لم يتعامل مع الإتفاق بروح إيجابية ونية سليمة للوصول بالمنطقة إلى شط الأمان، بل يمكن القول أنه تعامل معه على طريقة “الحياد السلبي” بحيث أنه ترك الأمر لحلفائه وأتباعه المحليين في كل بلد للتعامل مع الأحداث، من منطلق مصالح هذه الأطراف التي تصب في النهاية في مصلحته هو بإعتباره رأس هذا المحور ، سواء في اليمن أو سوريا أو لبنان أو حتى في فلسطين، ليطغى الجمود على التطورات في المنطقة عبر الحفاظ على “الستاتيكو ” القائم بما لا يمس بمصالحه، ولا يفيد في الوقت نفسه بلدان المنطقة، بل يجعلها في حالة إنتظار قاتل في ظل تطورات الوضع الدولي المتلاحقة ، من تطورات الحرب الأوكرانية، إلى تمدد الصراع الغربي – الروسي إلى أفريقيا، مع ما قد يحمله هذا الصراع من مخاطر على المنطقة خاصة في ظل تصاعد المناوشات الأميركية – الروسية في سماء سوريا، وإمكانية تطورها إلى صدام على الأرض ولو بالواسطة.

كل ما تقدم يدفع إلى الإعتقاد بأن التطورات الأخيرة في مخيم عين الحلوة في لبنان لا يمكن أن تكون عفوية، أو ذات طابع محلي كسابقاتها، خاصة مع توالي تحذيرات الدول العربية والغربية لرعاياها بتوخي الحيطة والحذر في لبنان، الذي تعيش الدولة فيه حالة من التحلل بتحولها إلى دولة تدار بالوكالة مع توالي الشغور في المراكز الأساسية فيها، وكان آخرها ولن يكون الأخير على ما يبدو هو مركز حاكم مصرف لبنان .

هكذا يتأكد مرة أخرى أن النظام الإيراني لا يمكن الوثوق به ولا بأقواله، فهو نظام صاحب مشروع إستراتيجي توسعي في المنطقة، ترفده عقيدة سياسية قائمة على عقيدة دينية وقومية شوفينية، يتخذ من القوة وسيلة للسيطرة ولا يلجأ للإتفاقات السياسية في المنطقة العربية إلا لمحاولة كسب الوقت ما بين جولة وأخرى، أو كمحاولة لخلق توازن ما بين مراكز القوى فيه التي يحركها في النهاية مايسترو واحد هو المرشد، والضحية دوماً هي المنطقة العربية وشعوبها، التي تتحكم ببعضها أنظمة وأفرقاء لا تختلف كثيراً عن نظام الملالي إلا في أنها أقل منه ذكاءً وكفاءة.

ومع ذلك قد يكون من السابق لأوانه نعي الإتفاق السعودي – الإيراني، إلا أن الشيء المؤكد أنه لا يمكن التعويل على صدق نوايا نظام طهران، ويجب التعامل مع الإتفاق كما يتعامل هو معه، أي بسياسة الخطوة خطوة أو على “القطعة” كما يقال، وهو ما يبدو أن المملكة العربية السعودية قد بدأت بتنفيذه بعد عدة أشهر من محاولات جس النبض وإثبات حسن النوايا من قِبَلها من دون أي مقابل جدي من جانب هذا النظام ما ولَّد هذا التعثر بتطبيق الاتفاق.

فهل ستشهد الأيام والأسابيع المقبلة تطورات ساخنة سواء في لبنان أو في سوريا ربطاً بهذا التعثر؟ أم أن الراعي الصيني سيتدخل وتكون بالتالي غيمة صيف عابرة ؟

لننتظر، وإن غداً لناظره قريب.

شارك المقال