الشغور طويل… لكن الحريصين كثر

لينا دوغان
لينا دوغان

يترقب الجميع شهر أيلول ويعتبرونه شهر الحلول. لكن ما تشهده هذه الأيام لا ينذر ولا يبشر بالخير، إن من الناحية السياسية أو الاقتصادية ومؤخراً من الناحية الأمنية.

التخوف من الفراغ الطويل بات واضحاً لدى كل الأطراف والمرجعيات، إن لم يكن أصبح واقعاً يتعامل معه الجميع.

لكن الواقع المرّ أنهم هم أرادوه هكذا دولة منهوبة، دولة بلا رئيس لأجل غير معروف، نتيجة الانقسام العامودي الذي أسقط كل الفرص المتاحة، وأدخل البلاد في حالة جمود قاتلة ستكون مليئة بالتوترات أقلها الاقتصادية والمعيشية، على أن ينجينا الله من التوترات الأمنية لأن الناس يكفيها ما تعيشه وتعانيه من ظلم وبؤس وحرمان.

يتكلمون عن محاولة للملمة النواب السنّة لجهة حثهم على اتخاذ موقف في موضوع انتخاب رئيس للجمهورية، ضمن مقاربة واضحة بين الكتل، لأن الخلافات تزيد من حدة الانقسام، وتهدف بالتالي لتوحيد القرار السياسي السنّي الذي هو رافعة لتوحيد القرار الوطني العام، الذي يصب أولاً وأخيراً في مصلحة العيش المشترك… لكنهم لا يتكلمون عن تخبط المسيحيين الموارنة بالتحديد، وهم الطرف الاول المعني بتسهيل عملية انتخاب رئيس للجمهورية، لكنهم أول المنقسمين، إن لم يكونوا أول المحبطين من خلال عدم توافقهم على المسلمات الاساسية لانتخاب رئيس للجمهورية، وبدل البحث عن الجمهورية بدأنا نسمع عن الجمهوريات وطرح لأنظمة جديدة.

لا يتكلمون أيضاً عن تفرد الثنائي بفرضه اسما واحدا، هو سليمان فرنجية. وإن كان الثنائي هو صاحب فكرة الحوار والداعي اليه، لكن الحوار لا يمكن من خلال فكرة واحدة وهي أن مرشحنا هو فرنجية وعلى هذا الاساس نتحاور. معيار ان يأتي رئيس يحمي ظهر المقاومة حق لكن ليس على حساب المسيحيين واللبنانيين.

زد على ذلك كله أنه في ما خص العمل الحكومي، الذي يفترض ان يستمر في ظل الفراغ الرئاسي، فإن هذه الحكومة لن تتمكن من اجراء تعيينات ولو طرحتها تحت مسمى الضرورية، مثلما حصل في موضوع تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان عند انتهاء ولاية رياض سلامة.

عاد الموفد الفرنسي، بعد أن قام بعدة جولات وحضر اللقاء الخماسي في الدوحة، حاملاً معه طرحاً جديداً: إجراء طاولة مشاورات في أيلول حول بند واحد: برنامج ومواصفات الرئيس والذهاب بعدها الى مجلس النواب لانتخاب هذا الرئيس.

الكل يجمع ويؤكد على اهتمام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بالملف اللبناني وبإنهاء الشغور الرئاسي وانتخاب رئيس للجمهورية، وهو على تواصل دائم مع كل زعماء الدول لتحريك هذا الملف، خاصة مع ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، إن كان في القمة الأخيرة بينهما، أو في الاتصالات التي يجريانها.

لكن الطروحات الفرنسية القديمة انسحبت على ما يبدو من التداول، وهي التي تحدثت عن سليمان فرنجية للرئاسة ونواف سلام للحكومة، ليتم التداول بما تم الاتفاق عليه في الاجتماع الخماسي لكن من دون أي اسم محدد.

على طاولة أيلول عمل واحد علينا أن نأخذه بالاعتبار. لن تبدأ الأمور سلّة واحدة لأن وضع البلد وما وصلت اليه امور الدولة لا يحتمل الا الحل بالتروي. لذا علينا أن نبدأ بالخطوة الأولى، وهي انتخاب رئيس للجمهورية بالمعايير المطلوبة، اي المعايير الانقاذية، رئيس يكون لديه خطة ورؤية وبرنامج اقتصادي مالي انقاذي إصلاحي، رئيس سيادي يلتزم الآليات الدستورية والقرارات الدولية، ويحافظ على الدستور مع تعديلاته التي نص عليها اتفاق الطائف.

بالنظام تعود المؤسسات السياسية والدستورية والحكومية للعمل، ويعود الانتعاش الاقتصادي. إذا أرادت المكونات السياسية فهم الرسالة ومفادها أن تحديد موعد الحوار في ايلول، يعكس رغبة شديدة لدى اصدقاء لبنان في ان يتم حسم انتخاب رئيس الجمهورية في الشهر نفسه، وإلا فإنها الفرصة الأخيرة، كما قال لودريان.

وعن موعد انعقاد الحوار تؤكد المصادر بأنه سيكون في بدايات شهر أيلول، وذلك ربطاً بالتجاوب الذي لقيه الموفد الفرنسي من مختلف الاطراف اللبنانيين وهو سيديره بنفسه على الارجح في قصر الصنوبر….

بالمحصلة يهم القول إن الفترة التي تفصلنا عن عقد هذه طاولة العمل ليست فترة استراحة لأحد ، إذ إن الجميع يعمل من أجل إنجاز هذا الملف ، فالجانب القطري يتواصل مع الايرانيين للوصول الى حلحلة، والجانب الفرنسي منشغل بتحضير كل أوراقه، وهنا على الافرقاء اللبنانيين أن يعوا جيداً لأن اقتراح الموفد الرئاسي الفرنسي ليس من أجل عقد مؤتمر للحوار الوطني لبحث الصيغة والنظام، فاتفاق الطائف هو الأساس واستكمال تطبيقه هو المطلوب، بل هو دعوة إلى جلسات عمل ونقاش تتناول مواصفات الرئيس وقدرته على تنفيذ الإصلاحات وإدارة البلد في شكل سليم وبنزاهة والتزاماً بالقانون…

إطمئنوا الخماسية لن تسحب يدها من لبنان، لكن هذا لا يعني انها لن تأخذ إجراءات بحق من يعرقل أي تقدم في انتخاب رئيس للبلاد، وهم معنا وحريصون علينا ولا يطلبون منا سوى الالتزام وشيء آخر مهم جداً فقدناه هو الثقة…

شارك المقال