فرح أم داني

الراجح
الراجح

من وسط العاصمة التي أصبحت بلا أهل، وبالتالي بلا هوية… وسط مهجور لا حاجة له بعد الآن…

هذا الوسط هو آخر ضحايا الجمهورية التي اغتيلت عام 2005. كل ما فعلته الحرب الممتدة منذ عقود لا يساوي شيئا أمام ما تناسيناه وطمسنا حقيقته، ولا نزال نمارس إخفاء الحقيقة، وكأننا بذلك نتجنب كوابيسها وننجح في الهروب من مآسيها على نفوس لا تزال تتمتع بقدر من الإنسانية.

لم نعتقد أننا سنمر بتجربة قاسية مؤلمة ومدمرة كالتي عشناها في شتاء 2005. الا أن تفجير المرفأ أعادنا إلى ضحايا كان الرصيف يغني لهم، واسفلت الشارع يقبِّل الأرض تحت أقدامهم، بينما إشارة المرور تحتوي على لون واحد وهو الأحمر… هذا هو الوطن.

القرميد متجهم هذا الصباح، صباح 4 آب، الضباب يعطي للأشياء رهبة، والغموض مدعاة للتوجس والخوف، وأهالي ضحايا المرفأ يجترّون حزنهم… هذا هو المنفى.

قصة في “عنبر الجثث” لقتلى الانفجار في زاوية منسية من العالم؛ انفجار يشبه القيامة. كان الحاج عبد الكريم (اسم مستعار) يجمع أشلاء ما قيل له أنه ابنه الجامعي الذي كان يستعد للتخرج. وفي الوقت ذاته كانت إم داني، وهذا أيضا اسم مستعار، تبحث عن داني، وهو ما أبقاه الزمن لها (قبل أن يذهب). وجدت بقايا ساق مزفتها الشظايا، لكن الحاج عبد الكريم يصرُّ أنها لابنه. صرخت بوجهه، أنا امرأة بألف رجل، لن تأخذ قطعة من جسد ابني. تدخَّل “المسلحون بالقوى الأمنية” المشرفون على العنبر. قدّمت ام داني لهم الدليل… أثرٌ لعملية جراحية في ركبته نتيجة سقوط سيء في كرة القدم.

انتصرت أم داني على الحاج عبد الكريم وحملت الساق. فرِحَت بها، وانفجرت دموعهما معًا. هكذا هي الحرب!

آمل قراءة القصة من قِبَل أصحاب المعالي المعطلين للتحقيق في جريمة العصر، مع التّذكير والتّوضيح أن لا يسعد أحدكم بلقب “معاليك” لأنها جمع لكلمة “معلوك” ليس أكثر…

شارك المقال