بلد على كف بيان… الاستقرار استثناء في لبنان

محمد شمس الدين

تسأل تطبيق الذكاء الاصطناعي Chat Gpt بجملة واحدة: ماذا يحتاج لبنان؟ فتأتي الاجابة: الاستقرار.

جواب مقنع فعلاً. فالبلد بأمس الحاجة إلى الاستقرار بكل أشكاله: السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وإلا فلن يكون بلداً، والمصيبة أن وضعه لطالما كان على مر العصور غير مستقر عموماً، بل القاعدة هي اللااستقرار، والاستثناء هو الاستقرار المؤقت لفترة من الوقت، وهذا يكون عادة بسبب توافق إقليمي معين، يحيّد لبنان عن ساحة الصراعات لفترة مؤقتة، قبل أن يعود الوضع فيه الى الانفجار.

لطالما تأثر لبنان عموماً بأي حدث أو تصريح إقليمي ودولي، فإن توترت الأوضاع في بحر الصين الجنوبي يتأثر لبنان. واذا توترت الحدود بين الهند وباكستان، يتأثر لبنان. بل حتى لو أصدر رئيس دولة جزر المالديف تصريحاً تصعيدياً، لبنان يتأثر بطريقة ما، وهذا الأمر يمكن ملاحظته عبر التاريخ، منذ تأسيس الكيان حتى اليوم، فقد فشلت الدولة في إعطاء مواطنينها الطمأنينة، ما يجعلهم دائماً في حالة خوف من المستقبل، ومن تأثير خلافات الدول الكبرى عليهم.

ولعل البيان الأخير للسفارة السعودية هو أكبر دليل على ذلك، والذي تبعته تحذيرات من دول خليجية أخرى، ومن بعض الدول الأوروبية، علماً أنه كان واضحاً ارتباط التحذير بأحداث مخيم عين الحلوة، والتخوف من تطورها، إلا أنه تسبب بهلع في الأوساط اللبنانية، ولو أنه حصل في وقت آخر غير هذه الفترة السياحية لحلق سعر الدولار، كون بعض الصرافين توقف عن بيعه بعد صدور البيان. وقد انتشرت تحليلات وتوقعات من محللين سياسيين، بدأوا بالاستعراض على الاعلام، حتى أن بعضهم اعتبر أن الاتفاق السعودي – الايراني انهار، وبدأت تبعات انهياره من لبنان، عدا عن الاشاعات التي انتشرت على مجموعات “الواتساب” عن ضربة اسرائيلية مرتقبة على لبنان، كل هذا كان بسب تصريح لسفارة تحذر رعاياها من مناطق الاشتباكات.

أما لماذا تنتشر ظاهرة الهلع عند اللبنانيين في كل حدث يحصل، وأكبر دليل هو ارتفاع سعر الخبز لحظة بدء الحرب في أوكرانيا، فترى غالبية الباحثين في الحالة اللبنانية، أن الشعب لا يثق بدولته، ويعتبر أنها ستفشل في إدارة أي أزمة، ففي الكثير من الدول، اذا حصل حادث أمني ما تحذر السفارات رعاياها على إثره، وتضع أرقام الطوارئ لمواطنيها في حال احتاجوا إلى المساعدة، ولكن اللبنانيين ليسوا معتادين على هذا الاهتمام من الدولة، بل إن بعضهم يخطف ويعتقل في دول أخرى ودولتهم بالكاد تحرك ساكناً من أجلهم.

الثقة بالدولة لا يمكنها أن تأتي من العدم، بل يجب أن يكون الاستقرار فيها نهجاً أساسياً لا استثنائياً، بدءاً بالاستقرار السياسي، فلا يجوز أن يعيش بلد على حافة الهاوية كلما وصل إلى استحقاق دستوري، وعلى الجميع الالتزام بالديموقراطية وبالأطر الدستورية، فليربح من يربح وليخسر من يخسر، وتتم محاسبته في الانتخابات، أو القضاء إذا كان مرتكباً كما يحصل في كل دول العالم، فها هو الرئيس السابق لأقوى دولة في العالم دونالد ترامب، ملاحق قضائياً، بغض النظر عما إذا كانت هناك حملة سياسية ضده كما يدّعي أم لا، فهو يلاحق، والولايات المتحدة لم تخسر مكانتها ولا حتى مؤيدو ترامب خسروا حقوقهم كمواطنين، بل حتى بانتخابه وعلى الرغم من كل الجدل والاستياء لدى فئة كبيرة من الشعب الأميركي، لم تتأثر الدولة الأميركية ككل، لم ينهار أمنها واقتصادها، وهنا يأتي دور الثقة بالدولة، التي يؤمنها الاستقرار المستدام، والاستقرار السياسي هو الأهم، فالاقتصاد يلحق السياسة، حتى أن غالبية المحللين الاقتصاديين تضع مسؤولية كبيرة في الحال الذي وصل إليه لبنان اليوم على الفراغ الدستوري الذي أصبح في حوالي آخر عقدين من الزمن يتساوى مع فترة اللافراغ.

الاستقرار السياسي يعطي انطباع الثقة، ما يشجع على الاستثمار، الأمر الذي ينمّي الاقتصاد، وبدوره ينعكس تلقائياً على الاستقرار الأمني والاجتماعي، وعلى البلد ككل، ولا يكفي أن يكون استقراراً مؤقتاً مربوطاً بشخص أو بفئة أو باتفاق إقليمي، بل يجب الخروج من هذه الأفكار، والعمل على تأسيس نهج يعتمد الاستقرار المستدام، الذي قد يهتز في حالات استثنائية، لكنه لا يقع.

شارك المقال