لبنان الرسمي لم يتلقف البعد السياسي للتحذيرات الديبلوماسية

زياد سامي عيتاني

في الوقت الذي كان فيه اللبنانيون يستحضرون مفاعيل الذكرى الثالثة لتفجير بيروت المزلزل، مستذكرين آثاره الكارثية وتداعياته المأساوية، بالتزامن مع إنفجار الوضع الأمني في مخيم عين الحلوة، ما يؤكد مجدداً تفلت الأوضاع الأمنية في لبنان، مقروناً بتغييب العدالة وتجهيل المتورطين بجريمة العصر، المتوارين عن العقاب، توالت التحذيرات الصادرة عن السفارات العربية، التي تدعو رعاياها إلى توخي الحذر ومغادرة لبنان، بعدما كانت سفارة المملكة العربية السعودية قد افتتحت باكورة البيانات التحذيرية.

وعلى الفور بدأت السلطة القابضة والطبقة السياسية المتحكمة بالتخبط والإرباك جراء تلك التحذيرات، وبالتالي التعاطي معها بسطحية وخفة، على خلفية أمنية صرفة، من دون الارتقاء إلى فهم عمق تلك الرسائل بأبعادها السياسية، التي تعبّر عن سخط الدول العربية وقلقها نتيجة تمادي الفرقاء اللبنانيين في التناحر والصراع على الفراغ القاتل، ضاربين عرض الحائط بما حمله بيان اللجنة الخماسية المصاغ بدقة وإتقان متناهيين وبتوازن بارع، من مبادئ وثوابت محكمة، تشكل مداميك القاعدة الصلبة وخريطة الطريق الآمنة لإخراج لبنان من أزماته المستعصية والمزمنة، متناسين ما جاء في بيان اللجنة الخماسية من تلويح بـ”إتخاذ إجراءات ضد من يعرقلون إحراز تقدم في موضوع إنتخاب رئيس جديد للبلاد”.

أركان السلطة “المتهالكة” سارعوا تباعاً، بدلاً من التعامل بجدية ومسؤولية مع بيانات السفارات، إلى الاعلان أنّ الوضع الأمني بالاجمال لا يستدعي القلق والهلع، وأن الاتصالات السياسيّة والأمنية لمعالجة أحداث مخيم عين الحلوة قطعت أشواطاً متقدّمة، مبدية إستغرابها من إصدارها، ليبرهنوا مرة أخرى عن إخفاقهم في قراءة ما تنطوي عليه البيانات الديبلوماسية من مخاوف وقلق على لبنان، خصوصاً إزاء التطورات والأحداث الكبيرة على صعيد المنطقة، وضمناً لبنان!

فالمشهد الذي عاد ينذر بالتأزم في المنطقة، يخشى معه أن يصار إلى فرض إنتخاب مرشح “الثنائي” رئيساً للجمهورية على “الحامي”، خصوصاً وأن “حزب الله” يمارس سياسة الاستنزاف والارهاق، لدفع معارضيه في نهاية المطاف الى أن يخضعوا لنفوذه في لبنان، في ظل إستمرار إيران في الاصرار على عدم البحث في ملف نفوذها في المنطقة، إضافة إلى ما تشهده سوريا من تطورات ميدانية على أراضيها من مختلف الجيوش الموجودة فيها، ما أدى إلى فرملة تنفيذ الاتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران برعاية الصين، وإلى وقف المملكة إجراءاتها لفتح السفارتين بين الرياض وطهران والتي تعود الى وقوع المنطقة تحت تأثيرات مستجدات الحرب الأوكرانية.

إزاء كل هذه التعقيدات والأحداث المتلاحقة، وعلى الرغم من هشاشة الوضع الأمني داخلياً (مع كل التطمينات)، فإن السلطة في لبنان لم تتداعى الى مناقشة أبعاد البيانات الصادرة عن سفارات دول عربية فاعلة ومؤثرة، بما يمكن أن تثيره من خشية حقيقية حول وجود خلفيات أخرى لعلّها تتّصل بالأزمة البنيوية في لبنان، إضافة إلى الضغوط التي تمارس عليه، جراء الأحداث في الاقليم، ما كان يقتضي بالحد الأدنى تشكيل “خلية أزمة” سياسية وديبلوماسية، بدلاً من الاكتفاء بالاجتهاد والتكهن والتساؤل، والانزعاج والخشية على الموسم السياحي، ما دفع سفير السعودية في بيروت وليد بخاري الى التأكيد “أن المملكة كانت وستكون من أهم المشجعين للسياحة في لبنان وأن الفترة المقبلة ستثبت ذلك إن توصل اللبنانيون إلى حل أزمتهم”.

لكن ما يجب أن تتداركه السلطة في لبنان وتتوقف عنده هو ما جدد التذكير به السفير بخاري من “أهمية إتفاق الطائف وإحترام تطبيقه”، مشيراً في هذا الاطار إلى “المظلات الدولية التي أمّنتها المملكة للبنان وأبرزها لقاء الدول الخمس وما سبقه من بيان ثلاثي سعودي – فرنسي – أميركي والقمة الفرنسية السعودية”.

من الواضح أن العواصم الخليجية الحريصة على منع وصول لبنان إلى الإنهيار الشامل من الفرقاء اللبنانيين أنفسهم، والتي ترفض المساس بالدستور، ستعمل على رفع منسوب الضغط “الايجابي” بصورة تصاعدية، لإرغامهم على المضي بالتسوية السياسية التي تفضي إلى إنتخاب رئيس إجماع للجمهورية تتوافر فيه مواصفات القدرة على تنفيذ خطة إقتصادية إنقاذية، التي هي أولوية الأولويات في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ لبنان.

شارك المقال