الحدود البرية الجنوبية مرسّمة… وتحتاج الى تثبيت لا وسيط

هيام طوق
هيام طوق

بعد الزيارة التي قام بها المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة آموس هوكشتاين الى اسرائيل منذ أسابيع، لبحث عدد من المواضيع، على رأسها إمكان ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، وتخفيف حدة الاحتقان بين الطرفين، ترددت معلومات عن إمكان زيارته بيروت، إلا أن ذلك لم يحصل. لكن اليوم، بالتزامن مع وصول باخرة الحفر TransOcean Barents إلى لبنان منتصف آب الجاري أو بعده بقليل، للبدء بالحفر في حقل قانا جنوباً، يجري الحديث عن زيارة قريبة سيقوم بها المبعوث الأميركي إلى بيروت، لمناقشة ملف ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل بعدما نجح في التوصّل إلى اتفاقية مشتركة لترسيم الحدود البحرية بينهما، كما وللمشاركة في “احتفالية” وصول باخرة الحفر منتصف الجاري، كون الولايات المتحدة راعية اتفاقية ترسيم الحدود البحرية والضامن لها.

وفيما رأى البعض أنه يخطط لتمرير ملف الترسيم البري في وقت تكون أنظار اللبنانيين متجهة الى باخرة الحفر المنتظرة، أشار بعض المسؤولين الى أنهم يسمعون كلاماً من دول عربية وغربية عن أن اسرائيل مستعدة للدخول في محادثات حول الترسيم البري على الرغم من اعتراضها سابقاً مع الاشارة الى أن قيادة الجيش، نظمت أول من أمس، جولة ميدانيّة على طول الخط الأزرق لممثّلي الدول الأعضاء في مجلس الأمن المعتمدين في لبنان، في حضور لافت للوسائل الاعلامية والصحافية اللبنانية والعربية والأجنبية، برئاسة منسق الحكومة مع قوات “اليونيفيل” العميد الركن منير شحادة الذي لفت الى أن “ترسيم الحدود تم في العام 1923، وتكرّس في اتفاقيّة الهدنة في العام 1949″، مشدداً على أنّ “لبنان لا يعنيه ما يُحكى عن ترسيم برّي، وأنّ هذه الكلمة ليست موجودة في قاموسنا كجيش لبنانيّ وكحكومة لبنانيّة، فنحن نتحدّث عن تثبيت الحدود وإظهار للحدود اللبنانيّة وليس ترسيم الحدود”.

في هذا السياق، لفت الرئيس السابق لوفد ترسيم الحدود البحرية العميد بسام ياسين الى أن “لا معطيات جديدة حول الحدود البرية على الرغم من أن الملف شائك، وليس بهذه السهولة تحل الأمور كما يعتقد البعض. في الحدود البرية هناك بعض النقاط التي من الصعب أن يتخلى عنها الجانب الاسرائيلي، وهي حق للبنان، فطرحوا فكرة تبادل الأراضي، وهذه جريمة بحد ذاتها بغض النظر عن الربح والخسارة في الأمتار. الملف شائك، ولن يمر بهذه السهولة لأن هناك نقاطاً استراتيجية ومهمة، أهمها رأس الناقورة”، متسائلاً: “هل بإمكان الدولة استرداد 18 متراً هيمنت عليها اسرائيل في هذه النقطة لنصدق أن لدينا دولة؟ لننتظر ونرى تداعيات الترسيم البحري في السنوات القليلة المقبلة”.

وأوضح أن “القول بترسيم الحدود يعني أن ليس هناك من حدود مرسّمة بين بلدين، لكن الحدود البرية بين لبنان واسرائيل مرسمة في العام 1923، وتكرّست في اتفاقيّة الهدنة في العام 1949 حيث ظهرت الحدود بشكل أدق، وكل الاحداثيات المتعلقة بالحدود من رأس الناقورة حتى تلال شبعا موجودة. وبالتالي، لا يجوز الكلام اليوم عن ترسيم الحدود البرية انما تثبيت الحدود لأنه سبق أن اتفق الطرفان على الحدود، ووقعا على الاتفاقية، واليوم تتطلب التثبيت فقط. وكنا نقول دائماً ان هناك ترسيماً للحدود البحرية لأنه لم يتم ترسيمها في السابق، وأن هناك تثبيتاً للحدود البرية المرسّمة سابقاً من أيام الانتداب”، معتبراً أن “لبنان يحصل على حقه في البر حين نثبّت الحدود وفق اتفاقية الهدنة خصوصاً أن هناك 14 نقطة تعدٍ على لبنان، وهنا المشكلة الأصعب التي تتطلب حلاً لن يكون بهذه السهولة”.

أضاف ياسين: “بغض النظر عن الترسيم البحري إن كان مجحفاً أم لا، هل سيطبّق الاتفاق بالكامل وبحرفيته؟ وهل سيتمكن لبنان خلال 3 سنوات من استخراج النفط والغاز والبيع بسهولة أو فقط استعراض من دون أي نتيجة؟ نص الاتفاق حمّال أوجه”. وأشار الى أن “هناك 14 نقطة حدودية برية خلافية بين البلدين من رأس الناقورة الى الغجر، وفي بعض الأماكن، الخلاف على عشرات الأمتار، وأماكن أخرى على مئات الأمتار”، مشدداً على أن “الحل، بانسحاب اسرائيل من هذه النقاط وفق حدود 1949 والتقيّد بهذه الحدود كما هي، والا ستبقى منطقة نزاع الى أبد الآبدين”.

وأكد الخبير النفطي ربيع ياغي أن “حدودنا البرية مرسّمة منذ سنة 1923 وتم التأكيد عليها سنة 1949، وهناك نقاط لبنانية تهيمن عليها اسرائيل، وأبرزها نقطة الـ B1 أي نقطة الارتكاز بين البر اللبناني والبحر من ناحية رأس الناقورة، وهذا الاعتداء له تأثير كبير جداً على الخط البحري وعلى الحدود الاقليمية البحرية”، لافتاً الى وجوب “ايجاد حل لنقاط التعدي، لكن ليس عبر إعادة ترسيم الحدود البرية المرسمة سابقاً، وما قاله العميد شحادة خلال الجولة الميدانية على الخط الأزرق، كلام صحيح مئة في المئة، وكلام تقني ووطني وواضح جداً، اذ ليس هناك من منطقة متنازع عليها بين لبنان واسرائيل انما نقاط من المفترض أن تتثبّت لأنه وفق القانون الدولي هي أراضٍ لبنانية، ومسجلة منذ سنة 1923 وتم تأكيدها سنة 1949. النقاط التي تسيطر عليها اسرائيل استراتيجية خصوصاً في رأس الناقورة”.

وقال: “لا يجوز الغرق في شبر ماء، ملف ترسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة انتهينا منه، وبما أن راعي الاتفاق البحري هم الأميركيون، فربما يقوم هوكشتاين بزيارة الى لبنان، لكن لا شيء أكيد حتى اللحظة. ولا أعتقد أن نقاط الخلاف في الحدود البرية، ستكون جزءاً من برنامج زيارته إذا حصلت. انها تكهنات أو تسريبات اعلامية أكثر مما هي واقعية علمية وعملية لأن عملية ترسيم الحدود البرية لا تتطلب وساطة فحدودنا واضحة ومسجلة في الأمم المتحدة، وكل ما في الأمر أن اسرائيل تمارس القرصنة والتعدي على بعض النقاط الاستراتيجية التي تهمها من الناحية العسكرية”.

ورأى ياغي أنه “لا يجوز التفاوض حول الحدود البرية المرسّمة التي تحتاج الى التثبيت فقط، كما أنه ليس مناسباً في ظل الوضع الراهن التفاوض أو النقاش في هذا الملف لأن الدولة في حالة شلل، في ظل الشغور الرئاسي، وحكومة تصريف أعمال. اذاً، نحن نعاني من انعدام الاتزان”، مؤكداً أن “الحدود البرية واضحة، والتفاوض حول الاعتداء على بعض النقاط يمكن أن يحصل من خلال الأمم المتحدة، وبعض الضغوط الدولية بحيث أن اسرائيل تستخدم هذه النقاط للابتزاز مع العلم أنها الدولة الوحيدة في العالم التي ليس لها حدود رسمية لا براً ولا بحراً”.

شارك المقال