“التذاكي” اللبناني يقود البلاد إلى الخراب!

رامي الريّس

يحمل الموفدون العرب والدوليون الذين يتناوبون على زيارة لبنان رسالة واحدة واضحة ولا لُبس فيها على الإطلاق: ساعدوا أنفسكم كي نساعدكم! أما الأساليب اللبنانيّة المرتكزة على الالتفاف على عمق المشكلة ومحاولة التذاكي على المجتمع العربي والدولي، فلم تعد تجدي نفعاً، فالأمور أصبحت مكشوفة ومعروفة وواضحة.

هذه  “الطريقة اللبنانيّة” القائمة على “الشطارة”، وفق المصطلح المعتمد في اللغة العاميّة، ليست في الحقيقة سوى حماقة مستترة. من يضحك على من؟ ولماذا؟ ومن المتضرر؟ أليس لبنان يدفع الثمن في كل يوم تأخير؟ أليس الشعب اللبناني المقهور والغاضب هو الذي يعيش الأمرّين نتيجة غياب الحد الأدنى من الخدمات البديهيّة التي بات من المعيب المطالبة بها في القرن الحادي والعشرين؟ هل يجوز أن اللبنانيين لا زالوا يفتقرون إلى الكهرباء والمحروقات والدواء والأغذية؟

ثم أليس من المخجل لأصحاب الشأن أن يشهدوا على تبرعات الدول (وهي مشكورة طبعاً) إلى المؤسسات العسكريّة والأمنيّة بالطعام والغذاء بدل أن يكون الدعم مركزاً على العتاد والسلاح والتدريب بما يعزّز الاستقرار الأمني والسلم الأهلي ويمهد الطريق أمام الدولة المرتجاة منذ عقود والتي لا مدخل لها سوى من خلال قيام المؤسسات السياسيّة والقضائيّة والأمنيّة بدورها؟ ما يحصل هو العكس تماماً: إسقاط المؤسسات وشلها وتعطيلها الواحدة تلو الأخرى والدفع بالبلاد نحو الانفجار الاجتماعي!

إقرأ أيضاً: مسؤولون غير مسؤولين!

بالمناسبة، هل تستفيد تلك القوى القابضة على السلطة من وقوع الانفجار الاجتماعي؟ ألا تدرك أن هذا الأمر قد يخرج عن السيطرة ويذهب بالبلاد نحو حقبة جديدة من الفوضى التي ستقضي على كل ما تحقق منذ انتهاء الحرب، وقد يفسح المجال أمام انتصاب خطوط تماس جديدة تغذيها الانقسامات والسلاح “الفردي” المتفلت في كل أرجاء لبنان؟ هل ستفيدهم عندئذٍ المناصب والمكاسب والمواقع والكراسي؟ هل ستفيدهم القصور الفخمة المبرّدة المحصنّة؟ هل ستفيدهم المواكب الجرارة التي تهدر من خزينة الدولة مئات آلاف الليرات لملء خزانات الوقود لسيارات الدفع الرباعي القاتمة مثل وجوههم؟

رغم ضراوة الأزمة وشدتها وعمقها وفداحتها وشموليتها، إلا أن الإنقاذ ممكن، والحلول العلميّة متوفرة وقابلة للتطبيق. ليس هناك من مستحيلات. دائماً من الممكن توفير المخارج، لكن شرط توفر الإرادة وتبلور القرار السياسي بوضوح ودون التباس. إنما أين رجال الدولة التي تتخذ هذا النوع من القرارات التي تتطلب الكثير من الترفع والتعفف والشعور بالمسؤوليّة الوطنيّة والسمو فوق المصالح الفئويّة الخاصة والاتجاه نحو المصالح الوطنيّة العليا؟

من السهل أن تكون رجل سلطة ومغانم ومكاسب وحصص، ولكن من الصعب جداً أن تكون رجل دولة يتخذ القرارات الجريئة، حتى لو لم تكن شعبيّة، في اللحظة السياسيّة المناسبة وقبل فوات الأوان. القرارات التي يذكرها التاريخ وتعتمد عليها الأجيال المقبلة في إدارة شؤون البلاد.

على اللبنانيين أن ينتظروا كثيراً قبل عودة شخصيّات من هذا المستوى إلى سدة المسؤوليّة. فالثقافة السائدة هي ثقافة المصالح بينما المطلوب ثقافة المؤسسات.

شارك المقال