الخلاف حول “باربي”… المؤيد والمعارض مخطئ

محمد شمس الدين

من يتابع الضجة المثارة حول عرض فيلم “باربي” في لبنان يظن أن الأمر مصيري بالنسبة الى البلد الذي أصبح يعيش في قعر جهنم.

وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال محمد وسام المرتضى أصدر قراراً بمنع الفيلم من العرض بسبب تعارضه مع القيم الأخلاقية والايمانية والمبادئ الراسخة في لبنان، معتبراً أنه “يروّج للشذوذ والتحول الجنسي ويسوّق فكرة بشعة مؤداها رفض وصاية الأب وتوهين دور الأم وتسخيفه والتشكيك بضرورة الزواج وبناء الأسرة، وتصويرهما عائقاً أمام التطور الذاتي للفرد لا سيما للمرأة”. ووجه كتاباً إلى الأمن العام اللبناني عبر وزير الداخلية بشأن الفيلم.

قرار المرتضى أثار الجدل لدى الرأي العام اللبناني، بحيث اعتبره البعض تعدياً على الحريات، لا سيما النائب التغييري مارك ضو، وانقسم اللبنانيون بين مؤيد للمرتضى، ومؤيد لضو، علماً أن غالبية الموالين لهذا أو ذاك لم تشاهد الفيلم، بل ربما لم تقرأ عن محتواه أساساً.

مشكلة الفيلم كان يمكن حلها ببساطة، عبر التصنيف، فالفيلم مصنّف كعائلي ولعمر 13 سنة وما فوق، وكان يمكن أن يجري النقاش في تصنيفه قبل البدء بالكلام عن إلغائه، ويمكن أن تصل درجة التصنيف إلى 21 سنة وما فوق، ما يمنع أي تأثير محتمل للفيلم على الأطفال والمراهقين.

المثير للسخرية في الخلاف حول الفيلم أمران: الأول عند معارضي الفيلم، اذ ان هناك العديد من الأفلام والمسلسلات التي تصل إلى منازل اللبنانيين عبر منصات البث وتتضمن محتوى أسوأ بكثير من محتوى “باربي”، ولم يبادر أحد يوماً الى مراقبة هذه المنصات ومحتوى ما تبثه، فمثلاً أحد أشهر المسلسلات في العالم، “صراع العروش” يتضمن العديد من المشاهد التي يعتبرها المعارضون للفيلم “شذوذاً”، بل أكثر من ذلك يتحدث المسلسل عن علاقات محرمة بين أفراد الأسرة الواحدة، ولم تجد معترضاً على المسلسل في أي مكان. وحتى بعض المسلسلات التاريخية مثل “فايكنغ” و”سبارتاكوس” كانت فيها مشاهد يعتبرها معارضو الفيلم “شذوذاً” ولم يعترض أحد على بثها. وكذلك الأمر بالنسبة الى محتوى توهين دور الأم والعلاقات الأسرية، فإن هناك الآلاف من الأفلام والمسلسلات التي لديها المحتوى نفسه، وليس هناك معارضون لها.

أما الأمر الثاني، وهو لدى الموالين لعرض الفيلم، فعندما تقرأ منشوراتهم، تظن أن “باربي” تحفة فنية لا تتكرر، والفيلم رمز للنضال في بلد يعاني من تأمين أدنى مقومات الحياة، علماً أن الفيلم مُدح لطريقة الاخراج فقط، ولكن غالبية النقاد وجدت قصته سخيفة جداً ومتوقعة، وهي فكرة مكررة ومبتذلة موضوعة في قالب جديد. وفيلم كهذا لا يمكن أن يكون أصلاً من أسس نضال الحريات في لبنان.

فيلم “باربي” هو بكل بساطة حملة دعائية كبرى لمجموعة “ماتيل” العملاقة، صانعة الدمية الشهيرة، التي رافقت الأجيال السابقة، والهدف هو رفع نسبة مبيعاتها وتسويقها للجيل الجديد، وقد لجأ صنّاع الفيلم إلى مسايرة هواجس العصر، من سياسات الهوية والنسوية وثقافة الصحوة (woke).

الدمية باربي أطلت على العالم في العام 1959، وتحولت إلى أحد رموز الثقافة الشعبية الأميركية، وكانت سابقة لعصرها، فقد صدرت منها نماذج رائدة فضاء، لاعبة بيسبول، مجندة، مرشحة للرئاسة، إلخ…، وهي بذلك وظفت لتكون ما لم تكنه النساء في تلك الحقبة، ولكن العصر سبقها، وأصبحت هناك مصطلحات جديدة، فهاجم الفيلم كل أنواع الرجولة واعتبرها ذكورية وأبوية، ويبدو بصورة واضحة أنه “كاره” للرجال، ومرر موضوع المثلية والمتحولين بأسلوب بسيط، عبر وضع دمية باربي مثلية، وكذلك شخصية متحولة جنسياً، ولكنه لم يكن على قدر توقعات ما يسمى “مجتمع الميم”، بحيث عبّر الكثير من رائدي الحرية الجنسية عن خيبة أملهم في الفيلم، وأنه لم يعر اهتماماً كافياً لقضيتهم.

وبالتالي، فيلم “باربي” هو أقل بدرجات من أفلام وأعمال أخرى تعرض ما يعتبره معارضو الفيلم “شذوذاً” بكل وضوح، بل إنها تعرض مشاهد إباحية لـ”الشذوذ”، وكان يمكن حل المشكلة عبر رفع تصنيف الفيلم. أما مؤيدوه فيجب أن يعلموا أنه مجرد حملة تسويقية للدمية الشهيرة، على الرغم من كل الأرباح التي حققها، وهو فعلياً فيلم سخيف ينشر ثقافة كره الرجل، واعتبار كل الرجال ذكوريين، بينما العالم اليوم تغير، ولم تعد هناك هذه الذكورية القاسية حتى في أكثر المجتمعات المحافظة، ولن يسجل في التاريخ كأحد الأفلام التي كانت رمزاً لنضال المجتمعات، بل هو فيلم تشاهده وتنساه بمجرد خروجك من دار السينما.

شارك المقال