قرارات “من تحت الطاولة”… والشعب “يا غافل الك الله”

ساريا الجراح

أحداث سرّية تتواتر على الساحة اللبنانية، يعتمد سياسيّوها مبدأ التكتم وحجب المقررات عن عامة الشعب، كأن البلاد أصبحت فديرالية المنطق تمارس الطبقية في الآراء والمصالح وحتّى الأحكام. “يا غافل الك الله” هذا هو حال الشعب اللبناني اليوم وخصوصاً بعد البيان الذي أصدرته مؤسسة “كهرباء لبنان” لتفادي فضيحة الوسائل الاعلامية التي صرّحت عوضاً عنها، والذي أشار الى أن شركة “برايم ساوث”، المشغّلة لمعملي دير عمار والزهراني، ستقوم بتسليمهما الى مؤسسة “كهرباء لبنان”، ما يعني توقف تزويد المناطق اللبنانية بالتغذية الكهربائية.

لم يقتصر المشهد اللبناني على هذه النمطيّة وحسب، بل أصبحت “الجلسات” منبراً يتعمّد منظموها رمي سهامهم على اللاجئين السوريين، هذا الأسلوب الذي اعتمده النائب الياس جرادة بحشده لقانون توطين اللاجئين السوريين في بلد ثالث أو ترحيلهم قسراً، كأن الحال اللبنانية اليوم تنحصر بعودة اللاجئين وبعدها ندخل سويسرا الشرق. والمستغرب انزعاج جرادة من تسرّب خبر كهذا، وهو ما يصفه الفيلسوف آلان نوبر بـ “نظام التفاهة”، معتبراً أن “الزعامة” على حساب عامة الشعب هي سببَ جوهري لوجود إنسان يتّصف بأن همَّهُ الأول هو لقمة العيش، وأن حياته نمطية للغاية لرفع إنتاجيته، ليصبح عاجزاً عن التفكير بحرية من دون قيود الرأسمالية، ويفتقر إلى التأمل، وبلا توجه فكري حقيقي.

يؤكد النائب ملحم خلف لـ “لبنان الكبير” أن “لا قرارات للمجلس النيابي، ولا يجدر بنا تعوّد ارجاء القانون، فالنهج اليوم هو اللاقانون خصوصاً أننا نتحدّث مع طبقة لا تفهم لغتنا والعكس، والسبب وراء تعنّتهم هو أنهم يكترثون لمصالحهم فقط”.

ويضيف خلف: “النائب هو من ينوب عن الأمة أي كل الشعب اللبناني، لكنهم يحصرون هذا المصطلح ضمن دائرة الحي الذي يقطنون فيه أو المذهب الذي يمثلونه، مهمّشين حقيقة تمثيلهم أوجاع الناس وصرخاتهم، فما يدور داخل الكواليس ظلم بحق اللبنانيين الذين أدلوا بأصواتهم ولاءً لهم”.

وفي هذا السياق، يخص النائب ياسين ياسين “لبنان الكبير” بحقيقة ما يحصل مع “كهرباء لبنان” التي لا يزال يشير اليها مراراً وتكراراً على وسائل الاعلام، مؤكداً أن “الأزمة المالية ستنتهي في القريب العاجل لندخل نفقاً جديداً في مرافق الدولة القابلة للانهيار واحدة تلو الأخرى. كما أن فرضية انهيار معمل دير عمار وتسليمه الى شركة كهرباء لبنان سيحضّر اللبنانيين لانهيارات لم تكن في الحسبان”.

“هذا ما أخاف منه” بهذه العبارة يعرب النائب ياسين عن خوفه على المرافق التي أكملت عملها بالحد الأدنى، وذلك من خلال سؤال قدمه الى وزارة الأشغال ورئاسة الحكومة منذ أسبوعين، واصفاً الوضع بـ “المأساوي جداً”. ويشير الى “أننا دخلنا اليوم في نفق تحلل المجتمع من الدولة، ففي الأيام عموماً صارعنا غياب الدولة وفقدان مفاعيلها”.

وعما إن كان هناك ما يدور تحت طاولة النواب، يستنكر ياسين ذلك بالقول: “لم يكن هنالك من شيء دار تحت الطاولة لكن دائرة التفكير في المستقبل أجبرتنا على التفكير المسبق، لأن مؤسسات الدولة تحتاج الى صيانة شاملة، وشغلت آذاننا بالغد، لذلك فإن المؤسسات والمراكز الخيّرة هي الضحية القادمة”.

هل تكمن المشكلة في تسريب الخبر، أم أن الخبر بحد ذاته كارثة بحق اللبنانيين؟

ترى مصادر مطّلعة أن اندهاش النائب جرادة غير مفهوم، كما أن استراتيجية النواب الحالية لا تتفق بتاتاً مع سياسة الحق والمصداقية التي وعدوا الناس بها يوم أهدوهم ثقة الصندوق. وتضيف: “قولوا للناس ما تنوون فعله في القريب العاجل كي لا تصدموا بردود أفعالهم. كما أن تسليم المعملين يعود أساسه الى الأخبار المسرّبة التي لو لم تخرج الى الاعلام لبقينا مكفوفي الأيدي لا نعلم ما يدور في فلك البرلمان”.

إن السبيل لإطاحة “نظام التفاهة” المتمكّن في بلد مثل لبنان لا يمكن أن يتم إلا بكيفية جماعية أو ما يصفه آلان دونو بـ “القطيعة الجمعية”، مع ما يستلزمه ذلك من طرق تفكير إبداعية لإنهاء وجود المؤسسات والقواعد التي تضر بالصالح العام. فإن لم يكن ممثل الامّة صادقاً مع نفسه لن يصدق مع منتخبيه. غفلت الشعوب عن ساسة لبنان فظنّوا أنهم سلكوا طريق الحق بجدارة ولكنهم نسوا “ان غداً لناظره قريب”.

شارك المقال