البلد ينقّب عن النفط… و”التنقيب” عن الرئيس عسير

هيام طوق
هيام طوق

وكأن التاريخ يعيد نفسه بين 2020 و2023 ففي السابق، وصل رئيس الجمهورية حينها ميشال عون الى سطح باخرة التنقيب عن النفط tungsten explorer في البلوك رقم 4، على متن طوافة خاصة تابعة لشركة “توتال”، وجال مع رئيس الحكومة حسان دياب في أرجاء الباخرة، واعتبر أنه “يوم تاريخي وسعيد للبنان، وبداية تحقيق الحلم الذي عملنا من أجل تحويله إلى واقع”.

بالأمس، تكرر المشهد في الطوافة التي نقلت رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي من مطار رفيق الحريري الدولي إلى منصة الحفر للتنقيب عن النفط والغاز في البلوك رقم 9 في المياه الإقليمية اللبنانية لمواكبة إنطلاق العمل اللوجيستي، وتمنى بري أن تكون “بداية لإزاحة الأزمة الإقتصادية التي يعيشها لبنان وشعبه”، فيما أشار ميقاتي الى “أننا نتطلع بأمل الى أن تحمل الأيام المقبلة بوادر خير، وما تحقق حتى الآن، إنجاز يسجل للوطن والشعب”.

إذاً، في الشكل، مشهد تفقد باخرة التنقيب في البلوك رقم 9، ذكّر اللبنانيين بجولة عون سنة 2020 في باخرة التنقيب في البلوك رقم 4، لكن صورة الرئيسين بري وميقاتي على متن الطوافة، وفي الجولة على منصة الحفر، كانت لافتة لا بل ناقصة في ظل غياب رئيس الجمهورية الذي تعذر انتخابه حتى أن كثيرين يقولون ان المسيحيين يتلهون بالتنقيب عن رئيس للجمهورية فيما التنقيب عن النفط بدأ بغياب رأس الدولة.

وبغض النظر عما اذا كان التنقيب اليوم سيأتي بنتائج سلبية كما في السابق أو يبشر بمخزون وفير، لا بد من الاعتراف بأن الظروف اليوم تغيرت كثيراً عن سنة 2020 اذ يشهد البلد أزمة سياسية مستعصية مع الفشل في تشكيل حكومة عقب الانتخابات البرلمانية التي جرت في أيار 2022، والتي أنتجت مجلساً نيابياً يفتقر إلى كتلة الغالبية، ما صعّب المهمة أمام النواب الذين فشلوا في انتخاب رئيس للجمهورية بعد 10 أشهر من الشغور من دون أن ننسى الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي لم يشهدها لبنان في تاريخه، بالاضافة الى شلل المؤسسات على مختلف المستويات ما يهدد بانهيار كلي للبلد، لا بل هناك تخوف على الكيان والدولة مع العلم أن البلد شهد “يوماً تاريخياً” كما وصفه الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين حين توصل لبنان وإسرائيل إلى اتفاق بشأن ترسيم الحدود البحرية بينهما.

على أي حال، بين سنتي 2020 و2023، أيام صعبة لا بل سود مرّت على اللبنانيين، لكن ما الذي تغيّر في الواقع اللبناني خلال هذه السنوات؟ وهل فعلاً يسير البلد كما مؤسساته ومشاريعه الكبرى بصورة طبيعية، وكأن لا شيء ناقص في ظل غياب رئيس الجمهورية؟ وهل التنقيب عن النفط أصبح أسهل من التنقيب عن رئيس؟

رأى النائب زياد حواط أن “لا شيء تغير منذ 2020 الى اليوم سوى المزيد من الانهيار، وتحلل ادارات الدولة ومؤسساتها، ولكي يستقيم الوضع، ويعود الانتظام من جديد، من الضروري انتخاب رئيس الجمهورية، وتشكيل حكومة من وزراء اختصاصيين وأصحاب كفاءة، تعيد ثقة اللبنانيين بدولتهم كما ثقة العالم الخارجي بالدولة اللبنانية، ومن ثم العمل على الاصلاحات التي تبدأ بخطة تعافٍ اقتصادية حقيقية ووقف الهدر في مرافق الدولة، وانشاء الصندوق السيادي الذي يدير الثروة النفطية بصورة علمية خارج الاصطفافات السياسية”.

واعتبر أن “البلد في ظل غياب رئيس الجمهورية، جامد لا بل منهار، ومعطل، والدولة تتفكك شيئاً فشيئاً، والمؤسسات تتحلل. الانهيار تام، ويطال كل اللبنانيين في القطاعات والمناطق كافة. وبالتالي، لا يمكن انقاذ البلد الا مع انتظام السلطة التي لا تقتصر على رئيس الجمهورية انما على حكومة، وقضاء عادل ونزيه، وليبدأ العمل الجدي من أجل انقاذ لبنان”، مؤكداً أن “النفط ثروة للأجيال المقبلة، يتطلب جهداً وعناية ولجنة تشرف مباشرة على حسن إدارة هذا القطاع، لذلك، لا بد من انتخاب رأس الدول في أسرع وقت ممكن”.

وأشار النائب عماد الحوت الى أن “أي شيء لم يتغير في المشهد اللبناني منذ 2020 الى اليوم اذ حينها أوهموا اللبنانيين بأن ليست لدينا ثروة نفطية وغازية. في 2020 كان الشعب أكثر وعياً، ويلجأ الى الشارع للتعبير عن غضبه وعدم رضاه، لكن اليوم وكأن الناس تخدّرت، وتأقلمت مع الواقع المرير. في المقابل، ممارسة الطبقة السياسية بكل تلاوينها، أصبحت أكثر وقاحة. منذ 2020 الى اليوم، نشهد على مزيد من التفكك والتحلل اذ في ذاك العام كانت بنية الدولة لا تزال متماسكة الى حد معين، لكن اليوم انهيار، وكل ما يحصل عبارة عن مسكنات في ظل المعالجة الفعلية للأزمة. في الـ 2020 كانت هناك فرصة للتشريع للخروج من الأزمة لأن حجم الاحتياطي كان مقبولاً، اما اليوم، فاستنفدت المليارات. وبالتالي، المشكلة أن الطبقة السياسية أصبحت تتهاون أكثر وأكثر بحقوق الناس وصولاً الى التحلل التام”.

وشدد على أن “المسيحيين ليسوا وحدهم الذين يفتشون عن رئيس للجمهورية لأننا كلنا نريد أن يكون هناك رأس للدولة الذي هو رئيس كل اللبنانيين وليس المسيحيين فقط. وهنا لا بد من الاعتراف بأن هناك من يفكر في أن الامور تسير بصورة طبيعية في ظل الشغور، لكن هذا غير صحيح وبعيد عن الواقع لأن المؤسسات الدستورية لا تسير بانتظام من دون رئيس الجمهورية الذي هو أساس في تركيبة البلد، ولا يمكن لأي بلد أن يستمر في غياب رئيس الجمهورية. لن يكون سهلاً على القوى السياسية تجاوز غياب الرئيس”.

وقال: “لا شك في أن وجود رئيس الجمهورية مهم جداً وأساس في هذه الخطوات وفي كل الخطوات، لكن أنا أرى مشهداً آخر بمعنى أن الطبقة السياسية تحاول الهاء المواطنين بأحلام، وتترك معالجة الواقع والأمور الملحة جانباً اذ بدل انتقال السلطة على متن طوافة كنا نتمنى أن نراها منكبّة على اقرار القوانين الاصلاحية لاخراج اللبنانيين من مأزقهم، وهذا ممكن وليس حلماً. المسؤولون يتركون المواطن يدير شؤونه بنفسه، ويضحكون عليه بأحلام مستقبلية بدل معالجة المشكلات الآنية، وهذا ما يقلق”.

ووصف الحوت الوضع بأنه “حالة تجاهل أو تغافل عن الواقع الحقيقي، وعملية خداع للبنانيين من السلطة”، معتبراً أن “المطلوب اليوم، اعطاء الأولويات بالترتيب الصحيح: أولاً، انتخاب رئيس الجمهورية. ثانياً، بناء مؤسسات الدولة. ثالثاً، خطة واضحة للخروج من الأزمة الاقتصادية بحيث حينها تكون منصة النفط جزءاً من هذه الخطة”.

شارك المقال