هيّا إلى العصر الحجري

الراجح
الراجح

يرى أرسطو أن الفلسفة تبدأ بنوع من الحيرة والدهشة، لذلك يحاول علماء الإبستمولوجيا (epistemology) وضع نظريات تتّسم بالترابط والدقة الوضعيّة والقوة التفسيريّة التي يمكن الدفاع عنها بعقلانيّة من جميع الجوانب الأخرى. ولكن أين نضع حديث الأمين العام لـ “حزب الله” الأخير الّذي أطلقه بمناسبة الذكرى السنوية السابعة عشرة للانتصار “الإلهي” في حرب تموز عام 2006، وهو ما بات يعرف بحرب الـ 33 يوماً؟

بعد استعراض تزامن المناسبة، وبحسب التقويم الهجري، مع واقعة كربلاء، وبحسب التقويم الهجري أيضاً، مع وصول موكب السبايا من أرض كربلاء إلى أرض البقاع وصولاً إلى مدينة بعلبك وهو يحمل معه رؤوس الشهداء؛ ومن جملة الأسرى كان الإمام زين العابدين والسيدة زينب وأبناء رسول الله وبناته، قال الأمين العام ان التاريخ يسجل الموقف المشرِّف لأهل المدينة، لأهل بعلبك، عندما علموا حقيقة الأسرى والسبايا وأنهم أبناء رسول الله وبناته وكيف تصرفوا إزاء هذا الحدث المؤلم. (وللعلم كان أهل بعلبك في ذاك التاريخ من المسيحيين والسُّنة فقط…)

ذهب الأمين العام في كلمته إلى مناسبة ثالثة حصلت عام 121 أو 122 هجري حين استشهد الإمام الثائر زيد بن علي زين العابدين وقبله الإمام زين العابدين لثورتهما في وجه السلطة الأموية! (من غير المفهوم ربط كل تلك المآسي والهزائم بذكرى “النصر العظيم”)

لن أدخل في أي عملية تعليق على هذه المقدمة كوني من الذين لا يحبون العودة إلى البيت فكيف بالعودة إلى حوالي 1400 سنة؟

فلندخل في صلب الموضوع المتعلق بالمناسبة الحاليَّة وهو انتصار تموز التاريخي والذي أسس المستقبل على المدى القريب وعلى المدى المتوسط في الحد الأدنى بحسب رأي الأمين العام.

كيف ظهرت نتائج الانتصار التاريخي؟

المحطة الأولى: “الّتي يظهر فيها انتصارنا التاريخي في تموز وما تأسس عليه من معادلات وقواعد اشتباك وتوازن ردع وفهم العدو لحقيقة وقدرات وإمكانات وعناصر القوة في لبنان وفي مقدمتها المقاومة” هو “ما حصل في العام الماضي في موضوع ترسيم الحدود البحرية وتحرير المنطقة الاقتصادية الخالصة وتحرير حقل قانا الذي نسميه البلوك 9”. هذا الإنجاز ما كان ليتحقق لولا البناء على نتائج حرب تموز 2006. وللعلم أيضاً، أن اتفاق الإذعان في 17 أيار 1983م كان يغمر حقل كاريش كجزء من الحدود البحرية للبنان! وأيضاً، لو أوقفنا التهريب في المطار والمرفأ والحدود لحصلنا على أضعاف أضعاف ما سنحصل عليه من النفط والغاز.

المحطة الثانية تتحدث عن الانهيار الواضح للكيان المغتصب من خلال المسار الانحداري النّزولي الهبوطي، إن صح التعبير، لهذا الكيان وعلى أكثر من صعيد. والكلام طبعاً للأمين العام الذي استحضر نتائج لجنة فينوغراد التي تحدثت عن “الاخفاقات التقنية والتكتيكية والتنظيميّة والإدارية والعملانية وما شاكل”. وكان السؤال: “هل عالج أو هل استطاع العدو أن يعالج آثار حرب تموز على كيانه؟ على قراره السياسي؟ على جبهته الداخلية؟ على معركة الوعي؟” الجواب: كلا.

اكتفى الأمين العام بشرحه المسهب للمحطتين الأولى والثانية وذهب مع المسار الانحداري ليدخلنا إلى النقطة الأخيرة وهي الأهم كيف نتعاطى مع تهديدات العدو القائمة والحاليّة؟

قال الأمين العام: “قبل أيام وزير حرب العدو وعلى بعد مئات الأمتار من الحدود لأنه عندما يقفون على الشريط الشائك، الكاميرات تلتقطهم، فهو وقف بعيداً بمئات الأمتار ومن هناك أطلق تهديداً”، تهديد ليس بجديد بأنهم سيعيدون لبنان إلى العصر الحجري إذا… وإذا… وإذا…، جيد وأضاف أنه في هذه النقطة الأخيرة “أريد أن أعلق على هذا التصريح وعلى هذا التهديد بناء على ما تقدم طبعاً، نحن لا ننكر، هل ننكر أن إسرائيل تستطيع أن تعيد لبنان إلى العصر الحجري؟ كلا، المقصود نعم يعني بفضل سلاح الجو الذي لديهم، والصواريخ التي لديهم، والمدفعية التي لديهم، والدعم الأميركي الذي لديهم تستطيع اسرائيل أن تفعل ذلك”. لكن هذا ليس بجديد، بل الجديد أن لبنان ماذا؟ المقاومة في لبنان ماذا؟ ماذا تستطيع أن تفعل؟ بعد استعراض خريطة فلسطين والخروج بلائحة تضم بنك الأهداف من مطارات مدنية وعسكرية وقواعد سلاح الجو ومحطات توليد الكهرباء والمياه ومراكز الاتصالات وصولاً إلى مصافي النفط والبنزين والأمونيا ومعها مفاعل ديمونا.

ما يعيد إسرائيل إلى العصر الحجري هذا من دون تدخل قوى محور الممانعة الأخرى… صواريخ المقاومة في لبنان تكفي! (ماذا ننتظر؟ أن تعتدي إسرائيل علينا؟ وماذا فعلت غير ذلك منذ احتلال فلسطين إلى استمرار احتلالها لأراضينا في الجنوب؟) وأنهى بعد استعراض القضايا الاستراتيجية كافة بالذهاب إلى كوع الكحالة محمِّلاً كل ما جرى لوسيلة إعلامية خبيثة، وأعوذ بالله من كل خبيث!

بعد هذا العرض المطوَّل، هل هناك من يقول لا لهذا المنطق؟

بالنسبة لي، لن أيأس ولن أستسلم طالما سأجد من يقول لا في هذا البلد ولو حتى لزوجته.

شارك المقال