… وماذا عن “الشذوذ” السياسي؟

ياسين شبلي
ياسين شبلي

موجة جديدة من إلهاء الرأي العام اللبناني الغارق في مشكلاته، إنطلقت عبر الحملة على “المثلية الجنسية” وتصوير الأمر وكأن البلد ينزلق إلى الانحلال الأخلاقي – ألم ننزلق بعد، وهل يُختصر الانحلال بالمثلية؟ – لدرجة أن ينعقد لقاء وزاري تشاوري في الديمان بسبب ملاحظة أبداها أحد المطارنة حول هذا الموضوع، ومنع فيلم “باربي” من العرض في بيروت وكأننا بتنا في جمهورية “طالبان”، وكان سبقه إلى ذلك الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله وكأن هناك سباقاً بين الجانبين أو حملة منظمة ومنسقة كنا نتمنى أن تكون كذلك لبحث الأمور الأكثر إلحاحاً للناس الأمر الذي لم يحصل، وهذا ما يدعو إلى الشك بأنها حملة إلهاء للرأي العام لا أكثر على عادة المؤسسات الدينية في تحالفها مع السلطة السياسية والتعمية على فسادها بالحديث عن قضايا قد لا تُمثل أولوية لدى الكثير من الرأي العام مستغلة إيمان البسطاء من الناس وطيبتهم.

في هذا المجال، ومع رفضنا لكل ما هو غير طبيعي في العلاقات الانسانية – بغض النظر عن رأينا والخلاف حول طريقة المعالجة – نتوجه إلى رجال الدين والسياسة في لبنان، من مسلمين ومسيحيين والذين يستغلون هذا الموضوع لإظهار حرصهم على المجتمع و”أخلاقياته” لنقول إن درج “الشذوذ” ككل درج يبدأ شطفه من أعلى إلى أسفل. ففي بلد كل ما فيه شاذ ومخالف لـ “طبيعة” بناء الأمم والبلاد، بلد عانى ويعاني من “مثليات” سياسية عديدة منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا، أودت به إلى الدرك الأسفل، بلد فيه من كل مؤسسة “زوجان” – إذا صح التعبير – فالدولة بجانبها أو بداخلها “دويلة”، والسلطة توازيها سلطات، والمالية ملكية عامة بداخلها ملكيات “خاصة” بالزعماء وزوجاتهم وأبنائهم وأصهارهم ورجال دينهم وإعلامهم وأكثر، والطاقة كهرباء دولة وأخرى “إشتراك”، والمياه مياه شركة وأخرى “سيترنات”، والاتصالات “أوجيرو” و”موزع الحي”، والاعلام تلفزيون لبنان وتلفزيونات إيران والسعودية وغيرهما، بلد شاذ في تعاملاته الخارجية سواء في الاقليم أو في العالم.

بلد كهذا فيه شذوذ سياسي وإقتصادي ومالي وإجتماعي، وآخر شذوذه كان ولا يزال مع شغور موقع الرئاسة “ميثاقياً”، وذلك حين إمتنعت الكتل المسيحية القوية بعد الانتخابات الأخيرة عن تسمية رئيس سني ليكون مكلفاً بتشكيل الحكومة، كما امتنعت قبلاً عن تسمية رئيس شيعي للمجلس النيابي من دون أدنى إحساس بالمسؤولية الوطنية، وأدنى تقدير لعواقب هذا الفعل في قادم الأيام – وهذا ما نراه اليوم – من حيث كونه سابقة جديدة في الحياة السياسية في جملة السوابق التي أودت بهذا البلد إلى “الشذوذ” على كل المستويات.

بلد كهذا قد يبدو فيه “الشذوذ الجنسي” للبعض أهون الشرور، أقله لأنه لا يمس إلا أصحابه بالمباشر بعكس بقية أنواع “الشذوذ” التي مسّت الناس بأموالها وحاضرها ومستقبل أولادها.

قد يقول قائل بأن ما سبق ليس من إختصاص رجال الدين، نعم صحيح ونحن نقول كذلك لو كنا في بلد فيه السلطات المدنية غير طائفية، وكنتم كرجال دين غير منغمسين في السياسة مؤيدين وداعمين بغالبيتكم الساحقة للحاكم والزعيم وفي خط الدفاع الأول عنه، كل في طائفته.

إن أول شرط من شروط ربح أي معركة هي المصداقية في الطرح وفي الممارسة، وكي تكون “معركتكم” اليوم ضد المثلية لها بعض المصداقية والدعم – بغض النظر عن موقفنا من هذه المعارك – إبدأوا بشطف الدرج من فوق، وكونوا عوناً للناس على تحصيل حقوقها المسلوبة في كل مجالات الحياة في هذا البلد بحسب الأولويات، أعيدوا للإنسان في هذا البلد الاحساس بإنسانيته وآدميته، وقتها فقط ستجدونه في المكان الانساني الصحيح، وسيختار لنفسه بنفسه ما يراه صالحاً له وسيرذل كل ما يجد فيه شذوذاً عن الحياة البشرية والانسانية السليمة.

شارك المقال