غيرة من بري وميقاتي… الدور التدميري لعون وباسيل في ملف النفط

محمد شمس الدين

أطل الرئيس السابق ميشال عون وولي عهده النائب جبران باسيل في عشاء هيئة قضاء “التيار الوطني الحر” في كسروان – الفتوح، بمواقف طغت عليها الغيرة السياسية بشأن الملف النفطي، فقد امتعض باسيل بقوله: “الله ما قالها” من أن تكون الصور على المنصة للرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي، متهماً إياهما بالعرقلة. أما عون فقد نسب كل الاكتشاف النفطي الى صهره المدلل، زاعماً أن “باسيل هو من قام بالبحث وحدد الخريطة مع الدولة النروجية التي هي أول دولة وجدت أن هناك نفطاً في البحر اللبناني”، ولم يكن ينقص عون الا أن يقول إن باسيل اخترع آلة للسفر عبر الزمن وعاد بها ملايين السنين وجهد في جمع جثث الديناصورات والحيوانات وبقايا النباتات ووضعها في البحر لتتجمع وتكوّن الغاز في عصرنا هذا كي يستفيد منه اللبنانيون.

هو مشهد مما اعتاده اللبنانيون في عهد الانجازات الوهمية للرئيس القوي، وإن كتب عون مذكراته يوماً فربما نجد أنه أردى “الميناتور” قتيلاً وقطع كل رؤوس “الهيدرا” وأنقذ اليونان من شرهم.

أما صهره المهندس فإنجازاته لا تعد ولا تحصى إذا سردها عون، المتيقن من أن له دوراً في صناعة القنبلة الذرية مع أوبنهايمر من أجل إنهاء الحرب العالمية، بل إن له دوراً في هندسة “أبولو 11” وهبوط نيل أرمسترونغ على سطح القمر، وهو من يقدم الاستشارة لـ “ناسا” و”سبايس إكس” من أجل غزو الفضاء، إلا أنه يتعرض في لبنان للظلم والعرقلة وسيكتب عنه “ما خلوه”.

هذا في عقلية التيار وسردياته التاريخية مستقبلاً، والتي قد تجعل من أساطير هوميروس قصة أطفال مقارنة به، أما في الحقيقة فإن إثارة موضوع النفط في لبنان بدأت في السبعينيات ولكن التوترات في تلك الفترة التي أدت إلى حرب أهلية في نهاية المطاف، طغت على المشهد وبالتالي غاب الملف عن الأجندات. وبعد الطائف مباشرة كان الجنوب جبهة تحريرية والمقاومة لتحرير الأرض في أوجها، وبالتالي لم يكن هناك أي مجال للدخول في المجال النفطي كون الشركات لا تنقب في المناطق الساخنة، لتحصل معجزة التحرير عام 2000، وبعدها استطاع البلد التفكير في ثروته النفطية، التي بدأ الرئيس الشهيد رفيق الحريري مباشرة بالعمل من أجل أن يستفيد لبنان منها، وتم تكليف مركز “ساوثمسون” لعلوم المحيطات بالتعاون مع المكتب الهيدروغرافي البريطاني، إعداد دراسة لترسيم حدود مياه لبنان الاقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة، بهدف إجراء عملية مسح جيولوجي للتنقيب عن النفط والغاز في هذه المنطقة، وبسبب عدم توافر خرائط بحرية في حينه واجه الأمر صعوبات، ثم حل الانفجار الكبير في لبنان عام 2005، وعاد ميشال عون إلى لبنان حاملاً بيده هدية للبنانيين صهره باسيل، وبدأت الأزمة، إلى أن عادت الدولة اللبنانية إلى تكليف المكتب الهيدروغرافي البريطاني بإجراء دراسة جديدة، لتكون نسخة محدثة عن الدراسة التي سبقتها عام 2006.

في العام 2007 وقع لبنان مع قبرص اتفاقية حول تعيين حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، للتعاون في ما بينهما لاستثمار الثروات النفطية. وبعد توقيع قبرص اتفاقية مع اسرائيل، اتهمها لبنان في العام 2011 بتجاهل ما تم الاتفاق عليه سابقاً، بعد أن تسببت اتفاقيتها مع اسرائيل بخسارته ما يزيد عن 860 كلم2 مساحة مائية، من منطقته الاقتصادية الخالصة.

وبعد الخلاف مع قبرص، اتجه الرئيس بري الى الأمم المتحدة لتتدخل إلا أن الأخيرة لم تكن تحبذ الأمر، حتى زار أمينها العام بان كي مون لبنان عام 2012 وأعاد بري الطلب من الأمم المتحدة التدخل، فأشار بان كي مون يومها الى أن من المفيد الاتصال بالولايات المتحدة في هذا الشأن، فتم التواصل وبعد أخذ ورد مع الأميركيين كان لبري ما أراد، وبدأ سيل الموفدين يزور لبنان ويفاوضه في الملف، وتم تكليف بري من كل أركان الدولة، حتى أن عون قبل أن يكون الأمر عنده بعد أن أصبح رئيساً في 2016.

وبقي حينذاك الأخذ والرد حتى توصل بري إلى اتفاق إطار عام 2020، واعتبر أن مهمته انتهت. وارتكز الاتفاق على أمرين أساسيين، التفاوض وفق تفاهم نيسان 1996، وتلازم البر والبحر، من دون أن يكون هناك تحديد للخطوط.

تسلم الرئيس عون الملف وبدأت حفلة التجارة العونية، تارة يسعى الى ربطه برفع العقوبات عن صهره، وتارة أخرى يستغله ليهاجم خصومه، مثل حملة “وقع يا نجار” لترتد الحملة عليه في حينه بعد أن وقع الوزير المحسوب على تيار “المردة” ميشال نجار على المرسوم 6433، ليرفض عون التوقيع، وتبدأ بروباغندا أن الأمر هو مجرد رفع السقف من أجل التفاوض، وربما ظن أنه في سوق الخضرة يومها يرفع سعر كيلو البصل ليساير الزبون بتخفيض السعر، وكأن السيادة تخاض بهذه الطريقة.

وتجدر الاشارة الى أن عون منذ تسلم الملف استطاع تحقيق انجازين مهمين ولكن ليس للبنان بل للعدو الاسرائيلي، بحيث نقض اتفاق الاطار، وطعّم الوفد العسكري المفاوض بمدنيين تابعين له، وتخلى عن فكرة تلازم البر والبحر، ما حرم لبنان من التفاوض من نقطة b1، والتي كان من الممكن أن تعطيه أكثر من الخط 29.

بعد حملة الخط 29 التي كان الهدف منها التهجم على خصومه، أظهر عون لبنان في موقف الضعيف والخاسر بتراجعه عن التوقيع على المرسوم 6433، وحتى اليوم هناك شكوك كبيرة حول ما اذا كان لبنان أخذ حقه بمياهه الاقليمية أم لا، وذلك بسبب إدارة عون ملف التفاوض بطريقة لا ترتقي الى مستوى بائع خضار فكيف برئيس جمهورية؟

ولكن لا بأس، فلتأتِ المروحية وتقل عون وباسيل ووزراءهما جميعاً إلى المنصة، دعوهم يأخذون الصور و”السيلفي”، وعندها قد يشمون رائحة الغاز كما شمّوه في البلوك رقم 4، الذي يروي عون عنه رواية خيالية للتياريين بأن شركة “توتال” اتصلت به وأبلغته أنها وجدت مخزوناً من الغاز وتوقفت عن العمل بسبب الضغوط. وهذا الأمر لا يتحدث به عون علناً، ربما خوفاً من رد الشركة، ولأن صهره “مهندس جهنم”، عطل تلزيم البلوكات كلها دفعة واحدة لأربع سنوات، خوفاً من إيجاد مكامن غاز في منطقة قبل البترون، التي يعتبرها منطقة نفوذه، ويستطيع تسويق فكرة غاز المسيحيين وتقريشها شعبياً، ولعل أكبر دليل على ذلك هو التسريب الصوتي للقاء باسيل مع مناصرين للتيار في فرنسا، بتاريخ 23 تشرين الثاني 2022، وقال فيه: “أسهل ما يمكن هو انتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية، فيعطوننا حصتنا في الدولة… حصتنا من النفط”، أي أنه ينظر بعين التحاصص الى الثروة النفطية.

اللبنانيون يعرفون أن عون وباسيل لا يمكن ائتمانهما على الثروة النفطية، فهما في عهد جهنم لم يتركا محظورات إلا وقاما بها، بل لم يتمكن اللبنانيون من ائتمانهما على شاي وسمك وصلا هبة إلى لبنان بعد انفجار مرفأ بيروت، فهل من عاقل يأتمنهما على ثروة أجيال المستقبل؟ وطبعاً لا يمكن نسيان أهم انجاز لتيار العهد القوي، 47 مليار دولار صرفت على الكهرباء ولا يزال اللبنانيون من أكبر مستهلكي الشمع في العالم!

شارك المقال