تضمن قرار التجديد لـ “اليونيفيل” رقم 2650 العام الماضي نصاً أعطى هذه القوات هوامش واسعة في الاضطلاع بمهامها لا سيما لجهة حرية التنقل والوصول بصورة مستقلة عن الدوريات المشتركة مع الجيش اللبناني، ما انعكس توسيعاً نسبياً لمهامها، وقد تحفظ لبنان في حينه عن هذا النص في قرار التجديد. وشهدت منطقة الجنوب مواجهات عدة بين “اليونيفيل” والأهالي، أدت إحداها الى مقتل جندي ايرلندي أواخر العام الماضي.
هذا العام يجري التجديد لقوات “اليونيفيل” لعام إضافي، والمشكلة نفسها وقع فيها لبنان، بحيث أن المسودة لمشروع قرار التمديد المطروح الآن في مجلس الأمن لا يوجب على “اليونيفيل” التنسيق مع الجيش اللبناني في عملياتها. وبعد اطلاعه على المسودة، عبّر وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب بوضوح عن “رفض لبنان للصيغة المتداولة، كونها لا تشير الى ضرورة وأهمية تنسيق اليونيفيل في عملياتها، مع الحكومة اللبنانية ممثلة بالجيش اللبناني، كما تنص إتفاقية عمل اليونيفيل المعروفة بالـSOFA”، مذكراً بأن “التجديد السنوي للقوة الدولية في الجنوب، يأتي بطلب من الحكومة اللبنانية”.
كذلك، شدد على “رفض لبنان أن يعطي الشرعية لنقل ولاية اليونيفيل من الفصل السادس، وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 الصادر عام 2006 والداعي الى حل النزاع بالطرق السلمية، الى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يدعو الى فرض القرار بالقوة”.
في هذا السياق، أشار عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب قاسم هاشم في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن هذا الموضوع هو “تمسك بحق سيادي للبنان، وقد دأبت الأمم المتحدة على السير به، ولكن في الآونة الأخيرة تبين أن هناك وراء تعديلات أرادتها ما يتعارض مع قضايانا وحقوقنا وهي تخدم العدو الاسرائيلي”.
وأكد هاشم أن “من حق لبنان أن يطالب بالعودة الى أساس القرار 1701 وما بني عليه، بحيث أن حركة قوات اليونيفيل يجب أن تكون بالتنسيق مع الجيش ونحن مع التمسك بدورها لارساء الأمن والسلام في المنطقة ولتثبيت هذا القرار، الذي يدأب العدو على خرقه، والتنسيق هو أفضل لليونيفيل أساساً، ويثبت منطق السيادة عموماً ويبدو أن هناك من يريد تطبيق أهواء سياسية خدمة للعدو الاسرائيلي، يدخل لبنان واليونيفيل في إشكالات ويبقي بلدنا خارج الاستقرار الدائم”.
وأيد عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب حسن عز الدين كلام هاشم، لافتاً الى أن “موقفنا واضح وصريح وينسجم مع احترام القوانين الدولية التي تصدر ومع مضمون القرار 1701 وقد تم الاستناد آنذاك إلى الفصل السادس وليس السابع، والذي ينص على ضرورة تنسيق اليونيفيل تحركاتها مع الجيش وذلك حفاظاً على أمنها وعلاقتها مع الجوار والبيئة، كي يتم ضمان سلامتها وأمنها، ونحن نرفض أي تعديل تم التوافق عليه في السابق نتيجة خطأ أو إهمال أو تراضٍ، ويجب تصحيح السياق، ومن البديهي أن الجيش له سيادته على كامل الأراضي اللبنانية”.
وقال عز الدين: “ما حصل يثير علامات استفهام، هل هو خطأ عمداً أم اشتباه أم إهمال وظيفي؟ لا أعرف في أي خانة أضعه ولكنه ضرّ بمصلحة لبنان وسيادته والدور السيادي لجيشه على كامل التراب اللبناني، ويجب على مجلس الأمن والقوى الفاعلة أن تأخذ في الاعتبار ما حصل سابقاً وتصوّب هذا الموضوع وتصححه حرصاً على دور اليونيفيل ومهمتها الفعلية والعملية حتى لا تخرج عن إطارها المرسوم لها، والذي يرفضه لبنان، وندعو الى أن يكون وزير الخارجية متشدداً وجاداً في سعيه ويتحمل مسؤولية العمل الدؤوب لتحقيق هذا الهدف”.
في المقابل، رأى عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب غسان حاصباني أن “هذا الملف يعود الى القرار الدولي، الدولة اللبنانية قدمت وجهة نظرها التي تدعو الى مؤازرة الجيش لليونيفيل، والقرار في الأمم المتحدة، ولا أعلم إذا كانت هناك مسببات للرغبة في تعديل القرار، فقد تكون هناك إشكاليات تعرض الجيش للإحراج، خصوصاً في وضعه الحالي بحيث لا يمتلك قدرات تشغيلية تسمح له بالاستمرار، وهذا يعود الى قدرات الجيش وأنا باعتقادي أن بامكانه مؤازرة قوات اليونيفيل”.
وشدد حاصباني على وجوب “أن نعرف أيضاً كيف تنظر القوى الداعمة لهذه القوات الى وضعها على الأرض، وأهم نقطة هي تطبيق القرارات الدولية، التي تندرج ضمن واجباتها، ولما كنا في إطار النقاش حول مهماتها لو طبقت القرارات الدولية كلها بصورة كاملة، وهنا نتحدث عن بسط الجيش سلطته على أراضي الوطن كافة، وهذا الأمر أصلاً أساس في وثيقة الاتفاق الوطني قبل القرارات الدولية”.
واعتبر أن “تفعيل دور الجيش في الجنوب خطوة في هذا الملف، بوجود اليونيفيل أو عدم وجودها، ومن الضروري أن يكون للجيش سلطة على الأراضي اللبنانية كافة، ولسنا بحاجة الى انتظار الأمم المتحدة في هذا الأمر البديهي، ولو أن هذا الأمر منفذ لما كنا بحاجة الى البحث الآن لأن الجيش عندها يكون حكماً موجوداً في دوريات اليونيفيل، وعندما نشدد على مؤازرة الجيش كأننا نقول إن هناك مناطق لا يتواجد فيها، وهذا منافٍ لمبدأ السيادة”.
ورجح حاصباني “أن يكون هناك سبب عملي لموقف الأمم المتحدة الذي يتم البحث حوله، فقد تكون هناك مناطق تريد اليونيفيل دخولها ولا تريد أن تضع الجيش في مواجهة مباشرة مع عناصر لبنانية”.
موضوع التجديد لـ”اليونيفيل” أصبح سيرة كل سنة، ولكن فعلياً لم يتغير شيء على الأرض، ولم تكن هناك أي تبعات على لبنان عندما أقر التجديد لها بتعديل النص إلى عدم وجوب التنسيق مع الجيش، وليس مفهوماً لمَ الإصرار على هذا البند الذي لا يستطيع تغيير أي شيء على أرض الواقع، وهو سيستفز أهالي الجنوب وستكون لديهم حساسية من “اليونيفيل” كلما مرت في قراهم، وقد يتسبب بمشكلات، بينما بوجود الجيش لا أحد يعترض، إلا إذا كان هناك طرف في المجتمع الدولي لديه نوايا عير ظاهرة.