الراعي وانتهاك الميثاق الوطني… هاجس الاستبعاد من المعادلة؟

هيام طوق
هيام طوق

منذ بدء الشغور أي قبل أكثر من 10 أشهر، تكاد لا تخلو عظات البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي بعد قداس الأحد من الدعوة الى انتخاب رئيس للجمهورية، والاسراع في انجاز الاستحقاق الدستوري، والتحذير من تداعيات هذا الشغور على البلاد والعباد، ومطالبة المسؤولين والنواب بتحمل مسؤولياتهم، والقيام بمهامهم وواجباتهم. وانتقد في عظته الأخيرة “انتهاك الميثاق الوطني” عبر تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية في وقت لم يسجّل فيه أي جديد على خط الملف الرئاسي لا في الخارج ولا في الداخل خصوصاً في ظل الانقسام الحاد بين القوى السياسية، وتمسك كل جهة بمواقفها اذ ان “الثنائي الشيعي” متمسك بمرشحه، ويؤيد دعوة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان الى الحوار فيما المعارضة ترفضه، وتعتبر أن من “جرب اللي مجرب كان عقلو مخرب”.

على أي حال، وسط الكثير من القراءات والمعلومات والتسريبات والاستيضاحات والأسئلة حول مبادرة لودريان في أيلول المقبل، قال الراعي في عظة الأحد: “في زمن الأسئلة، نسأل: لمصلحة من تُحرم دولة لبنان من رئيس لها، من دونه تنشلّ المؤسّسات؟ ولماذا يُنتهك منذ عشرة أشهر الميثاق الوطنيّ لسنة 1943 الذي كرّسه اتّفاق الطائف سنة 1989، وينصّ على أن يكون رئيس الجمهوريّة مسيحيّاً مارونيّاً، ورئيس مجلس النوّاب مسلماً شيعيّاً، ورئيس الحكومة مسلماً سنيّاً، كتعبير فعليّ للعيش المشترك؟ ونسأل بالتالي النافذين الممعنين في انتهاك هذا الميثاق الوطنيّ: كيف توفّقون بين هذا الانتهاك السافر والمتمادي ومقدّمة الدستور التي تنصّ على أن لا شرعيّة لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك؟ ألا يطال هذا النصّ شرعيّة ممارسة المجلس النيابيّ والحكومة؟”. وأشار الى “أننا طرحنا هذه الأسئلة لأنّنا متمسّكون بالثوابت الوطنيّة: المؤسّسات الدستوريّة، ميثاق العيش المشترك بالتكامل والمساواة والاحترام المتبادل، لبنان وطن لكلّ أبنائه مع الولاء الكامل له دون سواه، سيادة لبنان الداخليّة على كامل أراضيه”.

وسط تساؤلات البطريرك الذي يستعد للقيام بزيارة الى الجبل في أيلول المقبل تأكيداً على العيش المشترك لمناسبة الذكرى 22 للمصالحة التاريخية، لا بد من طرح الأسئلة: هل ينتهك الميثاق الوطني اليوم ومن هي الجهات التي تنتهكه؟ وهل هناك من لا يتمسك بالثوابت الوطنية، والمؤسسات الدستورية وميثاق العيش المشترك؟

أشار الوزير السابق رشيد درباس في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “رئيس الجمهورية لكل اللبنانيين، لكن كل لبناني ينتمي الى طائفة، ورئيس الجمهورية من الطائفة المارونية. هذا التوزيع لطمأنة الطوائف، لكن حين يتحدث البطريرك عن انتهاك الميثاق الوطني يعني أن هناك مشكلة لدى الطائفة المسيحية يجب أن تؤخذ في الاعتبار، اذ ان رأس الكنيسة يرى أن الأمور لا تسير على ما يرام، وعليه لا يمكن تجاهل هذا التوجس. التمادي في اختراق الدستور، وكأنه يطعن بالصيغة والمعادلة الوطنية. من هذه الزاوية، ربما البطريرك يحذر الطوائف والمسيحية تحديداً من أنه لم يعد مقبولاً اختراق الدستور وتعطيل الدولة”.

واعتبر أن “البطريرك يتوجه الى الطرف أو الجهات السياسية التي تعطل الاستحقاق الرئاسي أو تعرقله. المتضررون من عدم انتخاب رئيس الجمهورية كل الدولة اللبنانية، لكن هو يعتبر أنه بات من حق المسيحيين خصوصاً، القلق من استبعادهم من المعادلة. وهذا قلق مشروع ولا يجوز تجاهله”.

وقال درباس: “بات واضحاً من يعطل الانتخابات الرئاسية، من ينسحب من الجلسات الانتخابية، ومن يساوم على رئاسة الجمهورية، هؤلاء يعطلون الانتخاب. ومنذ سنة 1969 هناك انتهاك للثوابت الوطنية وانتهاك لكيان الدولة، ومن يقوم بذلك الطرف الأقوى”. وشدد على “أننا نريد أن نصل الى نتيجة ألا يكون هناك طرف أقوى يمكن أن يتلاعب بالانتظام الدستوري”.

ورأى النائب السابق غسان مخيبر أن “الميثاق الوطني بات مترجماً بأحكام الدستور، وينتهك من قبل أن تنتهك أحكام الدستور في نصها وفي روحيتها. هناك خطر كبير بالنظر الى أن الميثاق الوطني لا سيما ذلك المبدأ الذي نصت عليه الفقرة الأخيرة من مقدمة الدستور أن لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، وللأسف فقد تمادت القوى السياسية في التوسع في تعريف الميثاقية التي ضمنتها معانٍ ليست في الدستور ولا في مقدمته”، داعياً الى “العودة الى الدستور والى العقل الذي لطالما افتقده اللبنانيون في المرحلة الراهنة، اليوم هناك انتهاك للدستور”.

وأوضح أن “هناك أعرافاً دستورية على سبيل المثال أن يكون رئيس الجمهورية مارونياً انما ليس هناك اليوم من انتهاك لهذا العرف لأن ما من نزاع حول طائفته، اما أن تقوم حكومة تصريف الأعمال بما يتجاوز خطوط تصريف الأعمال، فهذه مخالفة لمبدأ من المبادئ الدستورية وليست مخالفة للميثاق الوطني. أحكام الدستور تنتهك، وهي تنص على انعقاد دورات انتخابية متتالية لانتخاب رئيس الجمهورية. وهناك مخالفة في تفسير الدستور الذي حوّل الدورات الى جلسات يكون لكل واحدة منها نصاب. في هذا المجال، الاختلاف واسع في تفسير المادة الدستورية، وهذا ما يؤخر من المنطلق الدستوري القانوني انتخاب الرئيس، انما الجميع يعلم أن التفسير الدستوري بات حجة أو سبباً لفرض التوافق حول الرئيس بأكثريات موصوفة. الجميع يعلم أيضاً أن ليس من جهة سياسية واحدة ولا من تحالفات سياسية واحدة يمكنها أن تنتخب رئيساً وحدها. هذا التوازن في عدم القدرة على انتخاب رئيس الجمهورية من جماعة سياسية متجانسة يفرض عليها التوافق على رئيس يكون موضع ثقة من أكثرية أوسع”.

أضاف: “الأزمة اليوم أن الحوار انقطع خارج المؤسسات كما داخلها لأن النواب يفترض في الجلسات المتتالية أن يجلسوا في القاعة العامة للمجلس بين دورة وأخرى، ويتوافقوا على مرشح لكن الجميع يعرف أيضاً أن النظام السياسي الواقعي في لبنان يجعل المقررين في عملية الانتخاب ليسوا جميعهم من أعضاء المجلس النيابي انما رؤساء كتل خارج المجلس كما وأن مصالح اقليمية ودولية باتت مرتبطة باختيار الرئيس”.

وأكد أن “ليس من وسيلة للوصول الى الانتخاب الا بالتحاور انما الدعوة الى الحوار باتت بذاتها موضع اختلاف وكأن هناك مخالفة للدستور. والسؤال الكبير: هل الحوار ضمن المؤسسات خلال الجلسات أو خارج المؤسسات؟ هذا يتطلب الكثير من المرونة لأن العناد من جميع الأطراف أوصلنا الى فراغ في المؤسسات”.

شارك المقال