الراعي وابنه

عاصم عبد الرحمن

على وقع الحوار الدائر بين “حزب الله” و”التيار الوطني الحر” حول ملفات أقرب ما تكون إلى شبه المستحيل على اعتبار أن موافقة الحزب عليها لا تكفي كاللامركزية الادارية والمالية الموسعة والصندوق الإئتماني لعائدات النفط ومشروع بناء الدولة، تماماً كما قبول جبران باسيل بانتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية وهو ما يعتبر غير كافٍ في ظل الحاجة إلى موافقة أطراف أخرى، يصف البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي باسيل بـ”الابن الحبيب”، فهل من دلالات سياسية يحملها هذا التوصيف خصوصاً في ظل استفحال الشغور الرئاسي؟

قال البطريرك الراعي خلال افتتاح معمل قاديشا لإنتاج الطاقة الكهربائية في بشري بحضور النائبين جبران باسيل ووليام طوق: “أشكر كل الجهود التي أدت إلى إنجاز هذا المشروع ومنها جهود طوق وباسيل”.

أضاف: “نشكر هذه المبادرة التي ساهم فيها النائب وليم طوق وأكملها إبننا الحبيب جبران باسيل”.

وتابع: “النور وحده يظهر الحقيقة وأن الشعب مقدام ومستعد للتضحية والمواجهة والصمود في الأرض”، كما قال: “كل ما تكلمتم عنه في كلماتكم اليوم وكل ما حققتموه هو مدخل لخروجنا من هذا النفق المظلم الذي نعيشه في البلد”.

لم يكد الراعي ينهي كلامه الذي وصف فيه باسيل بـ “الابن الحبيب” حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي وانقسم الجمهور المسيحي بين مؤيد ومعارض لتوصيف الراعي، فجمهور “القوات” و”الكتائب” اعتبر أن باسيل لا يمثل الابن الحبيب وهو ليس سوى مناور يسعى إلى تحقيق مكتسبات شخصية سلطوية عبر الحوار والتفاهم مع “حزب الله”. في المقابل، رأى جمهور “التيار الوطني الحر” أن الجنرال ميشال عون حافظ على مسيحيي المشرق، واصفاً باسيل بأنه ابن البترون أرض القداسة ومسقط رأس القديس نعمة الله كساب الملقب بـ “الحرديني”.

في هذا السياق، رفض مصدر في حزب “القوات اللبنانية” عبر “لبنان الكبير” التعليق على توصيف الراعي لباسيل بـ “الابن الحبيب” على اعتبار أنه لا يحمل أي دلالات سياسية، إنما هو تعبير كنسي فالراعي هو الأب الروحي وباسيل إبن الرعية.

مصدر في حزب “الكتائب” تمنى عبر “لبنان الكبير” لو أن الراعي لم يطلق هذا التوصيف الذي سيوظفه جمهور التيار في الاضاءة على الإنجازات الباسيلية الوهمية والتي أوصلت البلاد والعباد إلى جهنم التي وعد بها عون اللبنانيين.

أما قيادي في تيار “المردة” فعلق عبر “لبنان الكبير” على توصيف الراعي لباسيل، معتبراً أن هذا الكلام إنما يصب في خانة المسايرة الشخصية. ورفض تحميله أي دلالات سياسية على اعتبار أن الجو السياسي مشحون بما يكفي ونحن أحوج ما نكون إلى الخطاب التهدوي.

في الشكل يبدو أن البطريرك الراعي يساير رئيس “التيار الوطني الحر” بوصفه “الإبن الحبيب” خصوصاً أنه يخوض معركة تحصيل مكتسبات يعتبرها إنجازاً كبيراً ومشروعاً وجودياً يخدم القضية المسيحية وذلك عبر حواره القائم مع “حزب الله”، والذي وضع في سياقه ثلاثة شروط لانتخاب سليمان فرنجية رئيساً للجمهورية في مقابل إقرار اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة والصندوق المالي الإئتماني للعائدات النفطية بالإضافة إلى مشروع بناء الدولة، لكن في المضمون، لا شك في أن الراعي يحاول جمع رعيته المتشرذمة خلف مواقفها السياسية وخياراتها الوطنية المتعددة، والحفاظ على الحد الأدنى من الدور التاريخي لبكركي. ولا بد من أن الراعي يعمل على تحقيق توازن بين مطالب شعبه المنقسم بين اتجاهين:

– الأول وهو المتطرف والمنادي بالفديرالية وصولاً إلى التقسيم.

– الثاني وهو المعتدل والذي يؤيد الفاتيكان ويركن إلى رأيها المطالب بالحفاظ على لبنان الرسالة.

إذاً، ترزح بكركي تحت وطأة تحدٍ يشبه ما مرّ به البطريرك مار أنطونيوس بطرس خريش مطلع ثمانينيات القرن الماضي عند صعود نجم بشير الجميل واستفحال موجة التطرّف المسيحي، ما أدى إلى تهميش دور بكركي التي كانت تُعيَّر بقربها من الفلسطينيين ووقوفها ضد الحرب الأهلية على اعتبار أنها سلكت خط الإعتدال، وهو ما أيدته دولة الفاتيكان التي رأت يومها أن لبنان يشكل نموذجاً للتعايش الإسلامي – المسيحي، وعارضته الجبهة اللبنانية (المسيحية) التي اعتبرت أن نموذج ميثاق العام 1943 قد انتهى، وهو ما زاد من تهميش دور بكركي الوطني والمسيحي. وقد بلغت الأمور حد انتقاد الرئيس بشير الجميل للفاتيكان التي دعاها إلى إدراك “أن لبنان ليس حقل اختبار للتعايش الإسلامي – المسيحي وأنها إذا أرادت انتخاب رئيس للجمهورية كما تريد فلتأخذه وتجعله بابا للفاتيكان”.

لا شك في أن الراعي مضطر الى مسايرة رعيته، طرف في السياسة وآخر في الشخصي محاولاً تدوير الزوايا، فبكركي تعاني ضغوطاً كبيرة تتمثل بانتقادات حادة تتلقاها الكنيسة من المسيحيين على اعتبار أنها لم تقم بأي خطوة لتخفيف الأعباء المعيشية عن كاهلهم، فهي تملك المليارات ومساحات هائلة من الأراضي وهو ما يضطر الراعي أحياناً إلى مسايرة الزعماء المسيحيين لعدم تأليب الرأي العام ضده، كما يضطر أحياناً أخرى إلى التصعيد السياسي من أجل استقطاب المسيحيين سياسياً لا معيشياً على وقع اضطراره الى البقاء ضمن توجهات الفاتيكان وتوجيهاتها التي تدعو دائماً إلى مراعاة الخصوصية اللبنانية.

شارك المقال