قضية المعتقلين في سجون الأسد إلى الأمم المتحدة… أمل يكشف مصيرهم؟

عبدالرحمن قنديل

وقع 46 نائباً من كتل “الجمهورية القوية”، “الكتائب اللبنانية”، “اللقاء الديموقراطي” و”تجدد” ومستقلون، و41 جمعية بالتعاون مع “جمعية المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية”، عريضة تدعو إلى ضم ملف هؤلاء المعتقلين إلى نطاق اختصاص “المؤسسة المستقلة” حول المفقودين في سوريا التابعة للأمم المتحدة.

في التّاسع والعشرين من شهر حزيران الفائت، صوَّتت الجمعيّة العامة للأمم المتحدة لصالح قرار قضى بإنشاء مؤسسة مستقلة تحت رعايّة الأمم المتحدة، تُعنى بالمفقودين والمخفيين قسراً في سوريا تبعاً لتقديرات مختلفة أشارت الى كون عدد المفقودين منذ العام 2011 يتجاوز المئة ألف، من دون احتساب المفقودين قبل هذا التّاريخ، مع إمكان أن تكون الأعداد أضعاف تلك المُقدّرة. ومشروع القرار الذي يتمحور حول “توضيح مصير الأشخاص المفقودين وتقديم الدعم والرعاية للضحايا والعائلات”، الذي صاغته لوكسمبورغ بتأييد 83 دولة بينما عارضته 11 وامتنعت 62 عن التّصويت، من جملتها لبنان بحجة ما فيه من “جدليّة وتسييس للملف الإنساني”، استدعى مواقف غاضبة ومستنكرة للخطوة وعلى رأسها “جمعية المعتقلين في السجون السورية”، معتبرة أنها بمثابة طعنة لعائلات نحو 17 ألف لبناني مخفيين قسراً منذ الحرب.

لبنان بدوره لا يزال عددٌ لا يُستهان به من مواطنيه مُحتجزاً قسراً في سجون الأسد، منذ حقبة الاحتلال السّوري إلى الآن، وأهالي المعتقلين يجلسون على ضفاف الانتظار مع تحول قضيتهم إلى النسيان، إذ بقي ملف اللبنانيين المُحتجزين في السجون السّوريّة قيد التعطيل والفشل في صياغة سياسة جديّة وحاسمة على مرّ السنين.

تعود قضية المعتقلين اللبنانيين، أو مَن يمكن وصفهم بـ”المفقودين” و”المخفيّين قسراً في السجون السورية”، إلى مطلع سنوات الحرب الأهلية التي عاشها لبنان منذ منتصف السبعينيّات، فمع احتدامها عام 1976، دخلت القوات السورية تحت ذريعة وقف الحرب في لبنان، حيث بقيت تسعة وعشرين عاماً هيمنت خلالها عليه وعلى قراراته السياسية والأمنيّة ومقدّراته المالية، واعتقلت لبنانيّين بذرائع مختلفة، ومنذ ذلك الحين بات مصيرهم مجهولاً.

بعد حوالي شهر من الانسحاب السوري عام 2005، تألفت لجنة لبنانية -سورية مشتركة لمتابعة ملف المعتقلين إلا أنّها لم تحقّق أيّ نجاح، وترافق ذلك مع جهود متواصلة بذلتها لجنة عائلات المعتقلين والمفقودين اللبنانيين لمعرفة مصيرهم، لكنّ الأمور ازدادت تعقيداً مع مرور السنين ولم يشفع للمعتقلين اللبنانيين الانسحاب السوري من لبنان، إذ بقي ملفّهم طيّ النسيان بإنتظار معجزة تخبر عن مصيرهم على الرغم من إقامة علاقات ديبلوماسية وتبادل السفراء بين البلدين.

وأوضح رئيس جهاز العلاقات الخارجية في “القوّات اللبنانيّة” الوزير السابق ريشار قيومجيان في حديث لـ “لبنان الكبير” أن المؤسسة التي أنشئت تحت رعايّة الأمم المتحدة، “هي مؤسسة مستقلة تأسست بسبب المفقودين في سوريا وليست محصورة لا بالزمان ولا بالمكان ولا حتى بهويات الأشخاص المفقودين، أي ليست بالضرورة أن تكون مقتصرة على حقبة الحرب السورية وحسب، فقد يكونوا مفقودين لبنانيين ولكنهم موجودون في سوريا حالياً”.

ورأى قيومجيان أن المؤسسة يجب أن تشمل المفقودين في السجون السورية، “لذلك سنسعى الى ضم ملف اللبنانيين المعتقلين في السجون السورية إلى نطاق إختصاص المؤسسة المستقلة التي أقرتها الأمم المتحدة”، آملاً تجاوب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش. وأشار إلى أن هناك تعاوناً مع المفوضية العليا لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان في جنيف وكل المؤسسات الأممية لضم الملف إلى نطاق إختصاص هذه المؤسسة.

ولفت قيومجيان الى أن “العريضة قدمت كطلب موقع من أكثر من 40 جمعية و46 نائباً ولو كان هناك متسع من الوقت لكنا حصلنا على تواقيع نواب أكثر، ولكن كخطوة في البداية تعتبر جيدة وتحتاج إلى مساعٍ دائمة للوصول إلى عمل أكثر من الأمم المتحدة”. وأكد أن “من غير المقبول بعد 30 سنة من إنتهاء الحرب اللبنانية أن يكون هناك معتقلون نتيجة هذه الحرب قابعين في السجون السورية، ما يهمنا هو معرفة مصيرهم إذا كان لا يزال هناك من هم على قيد الحياة أو توفوا للتخفيف من العذاب المرير الذي يعيشه أهاليهم ومعاناتهم نتيجة إنتظار أي بصيص أمل يطمئنهم”.

وشدد على أن “الأوان آن لأن يطوى هذا الملف، وتنتهي هذه المعاناة”، معتبراً أنه “كان يمكن لرئيس الجمهورية السابق ميشال عون أن يلعب دوراً كبيراً في هذا الموضوع، ولكن العهد لم يقم بأي تحرّك يذكر على الرغم من أنهم كانوا قادرين بحكم تحالفهم مع حزب الله على أن يضغطوا على النظام السوري للإفراج عن المعتقلين”.

وقال قيومجيان: “مع عدم تجاوب الحكومة الحالية، لم يعد لدينا ملجأ سوى المؤسسات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة لا سيما أنها إتخذت قراراً بإنشاء هذه المؤسسة. ونؤكد إستمرار الضغوط والاتصالات مع مؤسسات الأمم المتحدة ودول مجلس الأمن وأي دولة يمكن أن تساعد”.

أما عضو كتلة “تجدد” النائب أديب عبد المسيح فأكد أن “هذه المحاولة والضغوط لم تكن الأولى بل كانت هناك محاولات كثيرة لكنها فشلت، ولكن هذه إستمرارية للضغط الذي نمارسه على النظام السوري لحل مشكلة المعتقلين”، لافتاً الى أن “المسار لا يزال منطلقاً وهذا ليس أول تجمع أو جمعية تطالب بالمعتقلين السوريين، ولكن مع إطلاق العريضة أصبحت هناك وحدة حال بين الفرقاء اللبنانيين على صعيد أكبر ما أدى إلى تصويب للمسار”.

وأوضح أن “القوى المعارضة في حال إستطاعت المشاركة في السلطة ستكون هناك تحركات ضمن مراكزها، ولكن إذا بقيت المعارضة ضمن موقعها من خلال النواب فستبقى ممثلة للناس وللمعتقلين خصوصاً أننا سنقوم بضغط أقوى للوصول إلى النتيجة في نهاية المطاف، لأنهم كنواب عليهم واجبات في إعلاء الصوت والتعميم والذهاب بإتجاه المجتمع الدولي فلا تستطيع المعارضة أن تبقى مكتوفة اليدين من دون أن تفعل شيئاً”.

وعن دور الأمم المتحدة وفاعليتها مع العريضة، أمل عبد المسيح “أن يكون للأمم المتحدة دورها في الضغط على النظام السوري وسنضغط من أجل هذا الأمر”.

إطلاق هذه العريضة فتح ملفاً ظنّ الكثيرون أن الأحداث السياسية والأزمات التي عصفت بلبنان ستجعل منه قضية قديمة تحمل أوجاعاً منسيّة مع رياح السياسة وتقلباتها.

شارك المقال