وزارة للموارد البشرية

خديجة مصطفى

كعادتها كل يوم تستيقظ دلال على صوت المنبه تأخذ “دوشها” المعتاد، تلبس ثيابها وتحمل كوب النسكافيه راكضة إلى السيارة لتصل إلى عملها.

تدق الساعة الثامنة صباحاً، وصديقتنا دلال على مكتبها بإبتسامتها المعتادة تستقبل طلبات الزبائن وشكاويهم.

دلال مثلٌ عن الكثير من الموظفين في عمرها، نالت شهادتها الجامعية واستطاعت أن تحصل على وظيفة في إحدى الشركات الكبرى اللبنانية.

تحاول جاهدة كل يوم تطوير عملها، والوصول إلى تحقيق الأهداف المطلوبة منها في العمل، تحلم بالترقية وزيادة الراتب.

بعد دقائق، يرن هاتفها وإذ تصلها نتيجة علاماتها في الجامعة، لقد حصلت على شهادة الماجستير في الموارد البشرية. تبرق عيون دلال وتبتسم من دون أن تلفت نظر الزبائن، ويصل الخبر خلسة إلى أصدقائها الذين يهنئونها بابتسامة أو إشارة إنتصار.

ويراودها العديد من التساؤلات: هل إستطاعت أن تستفيد من شهادتها في عملها؟ هل ستستطيع أن تعمل في مجال دراستها الجديد؟ هل إستفادت من المعلومات التي حصلت عليها خلال سنتين من الدراسة؟

وتتذكر دلال الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها البلد، والتسرب الوظيفي الذي يجتاح العديد من الشركات اللبنانية سواء في القطاع الخاص أو العام.

أليس في هذه الشركات قسم للموارد البشرية يسعى الى المحافظة على الموظفين وتدريبهم وتطويرهم؟ أليست هناك عوامل جذب تبقي الموظفين في الشركات ولا يتركون عملهم بسبب الراتب الذي تدنى إلى أكثر من 50%؟

أين الولاء الوظيفي؟ أين الرضا الوظيفي؟ أين التمسك بالوظيفة ومحاولة تطبيق سياسات الشركة؟ وغيرها من الأسئلة التي تجتاح عقل دلال.

هل ما درسته مجرد نظريات لا تطبق في مجتمعنا الحالي؟ هل نحن بحاجة إلى فريدريك تايلور جديد أو ألتون مايو أو هرزبرغ؟

هل زملاؤها الذين لا يزالون يعملون معها في الشركة نفسها، باقون لأنهم لم يحصلوا على عقد عمل خارجي، أو عقد عمل براتب فريش دولار، أم لأنهم متمسكون بوظيفتهم في الشركة ويرون أنفسهم مرتاحين بغض النظر عما يمرون به من متاعب؟

الا اننا بحاجة إلى وزارة للموارد البشرية. ألسنا بحاجة الى التغيير من رأس الهرم؟

هل نستطيع أن نقوّم عمل نوابنا ونضع لهم توصيفاً وظيفياً علّهم يعرفون ما عليهم من مسؤوليات تجاه المواطنين الذين إنتخبوهم؟ لعلنا قبل وضعنا ورقة التصويت في الانتخابات نقوم بعملية تقويم لأداء النائب السابق قبل إنتخابه مجدداً.

والنائب الجديد أليس عليه أن يعرف مهماته وواجباته؟ أم يكفي أنه قرأ عدة أسطر من الدستور اللبناني وقام بكذا إتصال قبل أن يدخل المجلس النيابي؟

هل يحتاج رئيس مجلس النواب الى تقويم أدائه لمعرفة الفجوة الحاصلة وحلها عن طريق التدريب أو المناقشة؟

أين نحن من الموارد البشرية في بلدنا الحالي؟ وكم نستفيد من تلك النظريات العلمية التي تتطور وتسبقنا ونحن ما زلنا نفكر في طائفة هذا وإسم عائلة ذاك؟

أين نحن من مسألة التقويم والمحاسبة لوزرائنا الذين يشنون القوانين ويزمجرون ويعلو صوتهم؟ هل تم إختيارهم بحسب ولائهم لأحزابهم أو بحسب تحصيلهم العلمي وخبرتهم العملية وماذا يحتاجون اليه من تطوير وتدريب ليمسكوا بوزاراتهم بصورة متمكنة أكثر؟

رأت دلال نفسها في خضم هائل من الأسئلة التي أربكتها، فرسمت إبتسامتها المعتادة وأكملت عملها لينتهي الدوام وينتهي الشهر وتحصل على راتبها تقسمه ليكفيها مع عائلتها لشهر جديد.

صديقتنا صورة عن العديد من الموظفين اللبنانيين الذين يعانون الأزمة الاقتصادية، وهم طموحون للوصول الى الأفضل.

أتمنى لها ولكم تقويم أداء يعبّر عن وجعكم وألمكم اليومي ليكون يقظة لتصحيح الخلل في بلدنا.

إلى اللقاء


مبتدئة في HR

شارك المقال